بقلم/ راغدة عسيران
تباهت الصحافة الصهيونية بأنه تم تدشين الرحلات الجوية، من مطار رامون، يوم الاثنين الماضي (22 آب/أغسطس) لنقل حوالي 20 فلسطينيا من مدن الضفة الغربية المحتلة الى جزيرة قبرص، تمهيدا لتسيير رحلات منتظمة انطلاقا من هذا المطار نحو عواصم العالم.
لقد تم افتتاح هذا المطار بعد العدوان على قطاع غزة في العام 2014، بعدما قصفت المقاومة مطار بن غوريون وعطّلته لبضعة أيام، ولكن كان قد تم التخطيط لانشائه بعد العام 2004، ليشارك في نقل السياح الى خليج العقبة وشرم الشيخ. ويتقاسم الأرباح مع مطارات الدول العربية، الأردن ومصر.
يقع مطار رامون في النقب، بالقرب من مستوطنة إيلات ومن "الحدود" مع الأردن. وكانت المملكة قد تحفظت على إقامة المطار، قبل سنوات، وقدمت شكوى رسمية ضد الكيان الصهيوني، بسبب تعرض سلامة الطيران في مطار الحسين في العقبة، خلافا لبروتوكولات الطيران المدني. لكن الكيان الصهيوني لم يأخذ هذه الشكوى على محمل الجدّ. ووفقا لما نقلته بعض الصحف العربية، فقد تم رشوة المملكة في هذه المسألة بالسماح للعمال الأردنيين بالعمل في مستوطنة إيلات.
لقد فشل مطار رامون في جذب السياح الأجانب والمستوطنين الصهاينة، رغم الترويج له وتحسين مدارجه ليستقبل الطيران العالمي، كما أكدّت التقارير الصادرة عن المؤسسات الإعلامية الصهيونية. وتعويضا عن هذا الفشل، يحاول الآن الكيان الإستيطاني التسويق له لدى المجتمع الفلسطيني، أي أنه يسعى لتغيير مسار المسافرين الفلسطينيين من الضفة الغربية، من جهة، وفيما بعد من قطاع غزة، عن المطارات العربية (الأردن ومصر) ليتبنّوا مطار رامون، الذي سيوفّر لهم التنقّل الى أنحاء العالم، وفقا للخطة الصهيونية.
وبذلك، يهدف الصهاينة الى "ضرب عصفورين أو أكثر" بحجر واحد بهذه الخطة. من جهة، وبعد أن افتعل مشكلة تعقيد سفر الفلسطينيين الذين يتنقلون عبر الأردن، وإطالة مدة الانتظار على الحواجز والجسر، وخاصة خلال فترة الأعياد الماضية (عيد الأضحى)، بدأ الاحتلال الترويج لما يعتبره حلا للفلسطينيين، وخاصة للتنقل الى تركيا، بعد الإعلان عن أن الطيران التركي (بيغاسوس) وافق على السفر من مطار رامون. ومن جهة أخرى، يدعي الصهاينة أن السفر عن طريق مطار رامون يقع ضمن "التسهيلات" التي يوفرّها الكيان الاحتلالي للفلسطينيين، مقابل "الهدوء" في المناطق الفلسطينية (القطاع والضفة)، لطمأنة المجتمع الدولي حول حسن نواياه.
لكن لا يوضّح هذا الكيان الإرهابي، في دعاياته المسمومة، أن المسافر من وسط الضفة الغربية يحتاج الى ست ساعات على الأقل لاجتياز 400 كلم، أي أن المسافة أطول من التي يجتازها نحو مطار عمان ب100 كلم تقريبا، إضافة الى التفتيش المهين على عدد كبير من حواجز الاحتلال كونها مصيدة للفلسطينيين بشكل عام، وأن على المسافرين تقديم الطلب مسبقا لجهاز المخابرات الصهيوني، كما أن التكلفة ستكون أكثر ارتفاعا من تكلفة السفر عن طريق الأردن. وان كان فعلا يريد الصهاينة تقديم "تسهيلات" للفلسطينيين، لماذا يُمنع غالبيتهم من الاستفادة من مطار اللد (بن غوريون) الأقرب من مطار رامون؟ هي إذا خطة لإنقاذ مطار فاشل اقتصاديا وغير قابل للحياة (رامون) عن طريق بيع "تسهيلات" للفلسطينيين، بعد تدمير مطاري قلنديا وغزة. إضافة الى ذلك، يوجّه الكيان الاحتلالي ضربة الى مطار عمّان الدولي الذي يُعتبر اليوم المنفذ الأول للمسافرين الفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
يشكل مطار رامون التجسيد العملي لنظام الفصل العنصري، حيث أنه سيكون مخصصا لسفر الفلسطينيين، كما يُخطط له، رغم ادعاءات العدو بأنه إجراء لتسهيل تنقّلهم الى الخارج. كما تخصص بعض الدول مطارات لنقل البضائع أو الحيوانات، لقد خصّص الكيان العنصري مطارا خاصا لتنقّل الفلسطينيين، بعد فشله في نقل السياح الأجانب والمستوطنين الصهاينة، بسبب موقعه البعيد عن المركز. يسعى الصهاينة لاستثمار مطارهم الفاشل والتعويض عن خساراتهم المادية بالتوجّه الى الفلسطينيين وبيعهم وهم "التسهيلات".
إن كان مطار رامون الجديد أول مطار يستحدثه الصهاينة كما ورد في التقارير الصحافية ويتميّز بكونه مطار فصل عنصري، فإن مطار "بن غوريون" الذي أقيم على أنقاض مطار اللد الفلسطيني، هو مطار الاستيطان الإحلالي بامتياز، كون العدو الصهيوني احتله في العام 1950 وغيّر اسمه في العام 1973 الى مطار "بن غوريون".
وتفيد المعلومات عن مطار اللد التاريخي انه أنشئ في العام 1936، إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين. وتعتبر عائلة عويضة المقدسية هي التي أنشأت مطار اللد. وكان أفراد العائلة (الجدّ يوسف وأبناءه علي وعمران وفايز) الذين يعملون في مجال السياحة منذ 1850 يبحثون عن طريقة لجلب السياح الى القدس. وبعد رحلة الى غزة حيث كان البريطانيون قد بنوا مطارا حديثا، وبعد معاينة مكانا قرب مدينة اللد صالحا للطيران، قام علي وعمران، برفقة زميلهم الألماني فالمر فست، باقناع أحد الطيارين بتجربة النزول في تلك المنطقة الشاسعة التي كانوا قد حدّدوها مسبقا. وفعلا، قام الطيار بالنزول الى المنطقة بسهولة. إثر ذلك اعتقلت سلطات الاحتلال البريطانية الأخوين عويضة وزميلهم الألماني، لمدة قصيرة. وبسبب هذه التجربة، نضجت لىسلطات الاحتلال فكرة إقامة مطار مدني في هذه المنطقة، فتم انشاء مطار اللد في العام 1936 بدلا عن مطار غزة.
استولى الصهاينة على كل المرافق العامة الفلسطينية عندما أقاموا كيانهم اليهودي العنصري في العام 1948، المطارات والموانئ والسكك الحديدية التي كانت تربط فلسطين والفلسطينيين بالعالم. واليوم، بعد أكثر من سبعين عاما على احتلال فلسطين وتدمير مدنها وبلداتها، يواصل العدو تطويق المنافذ على الفلسطينيين ويسعى لمنعهم من التنقّل إلا عبر مرافقه من أجل السيطرة الكاملة على حياتهم وجعلهم يستسلمون لإرهابه. لقد دمّر المطارات الفلسطينية الأخرى (قلنديا وغزة)، التي كانت خارج سيطرته التامة، والتي اعتبرتها السلطة الفلسطينية مطارات "سيادية"، ويحاول اليوم إقفال الطرق التي انتهجها الفلسطينيون للهروب جزئيا من رقابته الأمنية عليهم والسفر عن طريق الأردن ومصر، عبر تحويل سفرهم الى مطار رامون، مطار الفصل العنصري.
وكانت الرحلة الأولى لبعض الفلسطينيين (من 20 الى 26 كما ورد في بعض التقارير) من مطار رامون العنصري الى قبرص، على متن شركة "إسرائيلية"، بعد رفض الشركة التركية من استخدام هذا المطار، عملا استفزازيا للسلطة الفلسطينية وللأردن على حد سواء.
وتقول السلطة الفلسطينية أنها عاجزة عن منع المواطنين في الضفة الغربية من التوجه الى مطار رامون رغم رفضها اللفظي له. من ناحية أخرى، لم يتضح من هم هؤلاء الفلسطينيين الذين أخذوا على عاتقهم مهمة التسويق لجريمة الفصل العنصري، عندما رحلوا عن طريق مطار رامون: هل هم مواطنون عاديّون غير واعين لما يعنيه الرضوخ للصهاينة في هذا المجال، أم هم من المتعاونين مع العدو ويعملون على تسويق خيارهم واصطفافهم الى جانب العدو مقابل شعبهم ؟