الأبارتهايد (أو الأبارتيد أو الأبارتهايد، بالأفريكانية Apartheid أيّ فصل) هو نظام الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من عام 1948 وحتى تمّ إلغاء النظام بين الأعوام 1990 – 1993 وأعقب ذلك انتخابات ديمقراطية عام 1994، هدف نظام الأبارتهايد إلى خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية.
قامت قوانين الأبارتهايد بتقسيم الأفراد إلى مجموعات عرقية – كانت أهمّها السود، البيض، «الملوّنون»، والآسيويون (المكونة من هنود وباكستانيين) وهذه الأعراق تمّ الفصل بينها بحسب قوانين الأبارتهايد. منذ الستينيات، أخذت الاعتراضات الدولية على نظام الأبارتهايد بالإزدياد، مما أدى إلى نبذ دولة جنوب أفريقيا ومقاطعتها من قبل غالبية الدول. كل هذا بالإضافة إلى معارضة داخلية سلمية من جانب منظمات عارضت الأبارتهايد أدت إلى انهيار النظام بعد أربعة عقود.
نشوء الأبارتهايد (الفصل العنصري) قبل عام 1948
أول استعمال معروف لكلمة «أبارتهايد» كان عام 1917 خلال خطاب ألقاه «جان كريستيان سماتس»، الذي أصبح لاحقاً رئيس وزراء جنوب أفريقيا عام 1919. ومع أنّ نشأة الفصل العنصري عادة تنسب إلى الحكومة الأفريكانية المهيمنة على الحكم في الفترة 1948-1994 إلا أنه جزئياً هو تركة الإستعمار البريطاني الذي أدخل نظام إصدار القوانين في مستعمرة الكاب ومستعمرة ناتال خلال القرن التاسع عشر. وأسفر ذلك عن تنظيم حركة السود من المناطق القبلية إلى المناطق التي يحتلها البيض والملونون، والتي كان يحكمها البريطانيون. وقد كانت هناك أنظمة مماثلة في أستراليا وكاليدونيا الجديدة (Code de L’indigenat).
القوانين المقيّدة لحركة السود لم تكن تحظر حركتهم في هذه المناطق فقط ولكن أيضاً تقيد حركتهم من منطقة إلى أخرى بدون تصريح موقع بالمرور. ولم يسمح للسود بالتواجد في شوارع المدن في مستعمرة الكاب وناتال بعد حلول الظلام، وعليهم أن يحملوا تصريح مرور في كلّ الأوقات.
لم تطالب غالبية السكان في جنوب أفريقيا بالانفصال عنها كدولة وإقامة دولة أخرى، كما لم تطالب بطرد الأقلية البيضاء التي انفصلت ثقافياً وسياسياً عن دولتها الأمّ فقد كانت معركة الغالبية في جنوب أفريقيا ضدّ الفصل العنصري ولا يمكن أن يكون الإنفصال علاجاً للفصل أو رداً عليه.
الأبارتهايد والصهيونية وجهان لعملة واحدة
لا يختلف الفلسطينيون في أنّ الحركة الصهيونية قامت بعمليةٍ مركّبةٍ ضدّ الشعب الفلسطيني، شملت الاستعمار الاستيطاني، واستخدام الإرهاب المسلح، بما في ذلك المجازر، وصولاً إلى واحدةٍ من أكبر عمليات التطهير العرقي في عصرنا، والتي نفذتها في عام 1948، ومروراً بنظام الإحتلال العسكري الأطول في التاريخ الحديث. وقد بُنيت عقيدة الحركة الصهيونية على أساس تحقيق هدفين: الإستيلاء على الأرض بالقوة المسلحة وبالمصادرة والإحتيال، وتهجير الفلسطينيين من هذه الأرض. وإذا كان هدف احتلال كلّ أرض فلسطين تحقق بالقوة العسكرية، فإنّ الهدف الثاني تعثّر، بسبب صمود جزء باسل من الشعب الفلسطيني الذي أصرّ على البقاء في وطنه بعد نكبة عام 1948، وتحمّل آلام ومآسي الحكم العسكري – المخابراتي الإسرائيلي حتى عام 1966. وبسبب بسالة جزء آخر، تعلّم من تجربة عام 1948، وفضّل مواجهة خطر الموت على الرحيل، وصمد في القدس وباقي الضفة الغربية وقطاع غزة، وجزء هام منه كان من اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا عام 1948. ولم يحدث هذا مصادفة، ولم يتمّ ببساطة، بل كان حصيلة جهدٍ لا يقدّر بثمن من العمل الوطني والتوعية، والصمود الاقتصادي والمجتمعي، والنضال الشعبي الذي كانت الإنتفاضة الشعبية الأولى من أنقى تجلياته. والنتيجة الطبيعية لذلك كله أن عدد الفلسطينيين اليوم على أرض فلسطين التاريخية يعادل، إن لم يفق بقليل، عدد اليهود الإسرائيليين.
العنصرية اليهودية بكلّ تجلياتها
يعطي نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الحق لأيّ يهودي في العالم أن يحصل على الجنسية فور هبوطه في أيّ مطار إسرائيلي، وكما أوضح بدقة علمية مميّزة تقرير فريق لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) والذي سحب بعد ساعات من نشره، يشمل نظام الأبارتهايد الفلسطينيين في أراضي 1948، وفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك القدس، واللاجئين الفلسطينيين المحرومين من حق العودة أو الوجود في وطنهم. أما منظومة الأبارتهايد العنصرية، والتي فاقت في ظلمها وبشاعتها نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا، فقد تعزّزت بقانون القومية الإسرائيلي الذي يعطي حق تقرير المصير في كلّ فلسطين التاريخية لليهود فقط.
كلّ مناحي عيش الفلسطينيين اليوم تعاني من عنصريةٍ فظّة، فهم محرومون من أرضهم، وممنوعون من البناء في معظمها، ومحرومون من مياههم التي تصادر «إسرائيل» معظمها. وفي حين تعطي السلطات «الإسرائيلية» حق استعمال 2400 متر مكعب سنوياً منها لليهودي المستوطن، فإنها تحدّد ما لا يزيد عن 50 متراً للفلسطيني. أيّ أنّ للمستوطن اليهودي حق استعمال المياه بكمية تزيد 48 مرة عن الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ومعظم الفلسطينيين محرومون من التنقل وحرية الحركة، ويعيش مليونان منهم في سجنٍ معزول ومغلق، أشبه بمعسكر اعتقال، اسمه قطاع غزة. وعلى معظم أهل الضفة الغربية التنقل عبر 650 حاجزاً عسكرياً، ولا يسمح لهم بالوصول إلى القدس.
وفي حين يعطي نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الحق لأيّ يهودي في العالم، سواء كان يعيش في نيويورك أو سيبيريا أو أيّ مكان، أن يحصل على الجنسية فور هبوطه في أي مطار إسرائيلي، ويعطيه حق الإقامة أينما شاء في كلّ أرض فلسطين، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس المحتلة، فإنه يحرم أكثر من ستة ملايين لاجئ من الفلسطينيين المهجّرين بالقوة من حق العودة إلى الأرض التي عاشت فيها عائلاتهم منذ مئات وآلاف السنين.
«الاسرائيلون» يتمتعون بمخصصات مياه سخية وبحقوق للتنقيب عن الموارد الطبيعية وبالسيطرة على الينابيع، وعلى المواقع الأثرية وعلى المحميات الطبيعية. الى جانب كل هذا اوجدت «إسرائيل» نظام محاكمة مزدوج فيه يطبق قانون معيّن على الفلسطينيين وقانون آخر على «الإسرائيليين»، الإسرائيليون يحظون بأجزاء واسعة من القانون «الإسرائيلي» الحديث في حين انّ الفلسطينيين يصارعون تحت أوامر عسكرية قمعية. هكذا لا يوجد للفلسطينيين الحق في التظاهر، وفي حين انه يوجد هذا الحق للمستوطنين، لهذا فانّ «الإسرائيلي» الذي تورّط في مشكلة يحاكم في محكمة مدنية يضمن فيها حقه في محاكمة نزيهة في حين انّ الفلسطيني المتهم بنفس المخالفة يحاكم في محكمة عسكرية والتي لا تجري بلغته. كما انّ «الإسرائيلي» يخرج بحرية الى خارج الكيان المحتلّ في حين انّ الفلسطيني عليه ان يحصل على تصريح من جيش الاحتلال.
كلّ سياسة نزع ملكية، وكلّ ممارسة فصل (مادية و قانونية)، وكلّ منع للتنمية وايّ نقل قسري للفلسطينيين، كلّ واحدة من هذه تحقق مكوّن «الأعمال اللا إنسانية» الموجود في تعريف جريمة الابارتهايد.
يصل دخل الفرد في «إسرائيل» إلى 42 ألف دولار، فيما لا يتجاوز ألفي دولار للفرد في الضفة والقطاع. ولكن الفلسطينيين أينما كانوا يدفعون ما يدفعه «الإسرائيليون» ثمناً للمنتجات والبضائع بسبب إلحاق السوق الفلسطيني بـ «الإسرائيلي». أكثر من مليون عملية اعتقال وأسر تمّت ضدّ الفلسطينيين منذ عام 1967، وعشرات الآلاف قضوا شهداء أو أصيبوا بجراح. لكن الجانب الأهمّ أنّ هناك نظاماً قانونياً خاصاً باليهود، وأنظمة قانونية أخرى للفلسطينيين، حسب مكان معيشتهم. ويستعمل «الإسرائيليون» ضدّ الفلسطينيين مزيجاً من القوانين العسكرية الإسرائيلية والقوانين العثمانية، والانتدابية البريطانية، بما فيها قانون الطوارئ الذي ألغته بريطانيا، وما يعجبهم من القانون الأردني، بالإضافة إلى حوالي ألفين من القوانين العسكرية. وإذا كان ذلك كله لا يكفي، فبمقدور حكام «إسرائيل» إصدار مزيد من القوانين العسكرية.
لن يوقف الفلسطينيون كفاحهم ومقاومتهم، لأنهم يعرفون جيداً الفرق الشاسع بين السلام والاستسلام، فخطة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، أو صفقة القرن كما يسمّونها، لن تنشئ دولة فلسطينية، ولن تنهي الاستيطان الاستعماري، ولن تحقق الحرية للفلسطينيين. وهي تعبّر عن قرار الحركة الصهيونية، بعد أن تلاعبت عقوداً بما سُميت «عملية السلام»، وتكريس الضمّ والتهويد لكلّ فلسطين. تشرعن خطة ترامب تجزئة الضفة الغربية إلى 224 غيتو، أو معزل أو بانتوستان إن شئتم، مع غيتو كبير في غزة، محاصرة جميعاً بالجيش الإسرائيلي، وجدار الفصل العنصري، والحواجز، والمستعمرات. وتؤكد الخطة بقاء السيطرة «الإسرائيلية» على أرض ومياه وأجواء فلسطين بكاملها، بالإضافة إلى المجال الكهرومغناطيسي، بما في ذلك البقع التي ستسمّى دولة فلسطين، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتكرّس خطة ترامب التي كُتبت بقلم نتنياهو نظام الأبارتهايد العنصري ضد الفلسطينيين، وقبولها أو التعامل معها سيعني مشاركة «إسرائيل» في خرق القانون الدولي، وقيم الإنسانية والعدالة، وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني.
خلاصة القول، نظام الأبارتهايد ليس سلاماً، ولن يجلب سلاماً، والغيتوات والمعازل ليست دولة، ولا يمكن أن تكون دولة. والفلسطينيون لن يوقفوا كفاحهم ومقاومتهم، لأنهم يعرفون جيداً، الفرق الشاسع بين السلام والاستسلام. ولأنهم يريدون استعادة حقوقهم كاملة.
«إسرائيل» ما زالت فوق القوانين الدولية وهذا لا يقبله عاقل ونحن في نهاية العام 2020، وفي المقابل واجب دولي وإنساني وأخلاقي على كافة دول العالم المعاصر المشاركة والموقعة لتلك الإتفاقيات والمواثيق والمبادئ الدولية أن تلتزم التزاماً عملياً بما وقعت عليه وأن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدّمتها حقه بتقرير المصير، وانّ تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس…