مع أي استعمار او احتلال لأي بلد كان يسعى المحتل لتفتيت الوحدة في المواقف والآراء وتغذية النعرات الطائفية والمناطقية والعمل على تجزيء البلاد واثارة القلاقل بينها, حتى يضمن الاستعمار العيش والبقاء لأطول فترة ممكنة محتلا للأرض وغاصبا للبلاد ومسيطرا على الخيرات والثروات, والمتمعن في اوضاعنا كبلاد عربية يشعر ان الاستعمار الأجنبي حتى بعد ان انحدر عن بلادنا العربية الا انه ابقى حالات صراع بين دول الجوار ومناطق متنازع عليها ليستخدم هذه كذريعة لزعزعة الاستقرار وضمان سطوته ونفوذه في المنطقة, فمثلا ابقى على النزاع بين مصر والسودان على منطقة حلايب وشلاتين, والنزاع المصري السعودي على تيران وصنافير, والنزاعات الإقليمية في الخليج بين السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والعراق وإيران, والنزاع بين المغرب والجزائر على الصحراء الغربية, والنزاع الليبي التونسي على منطقة الجرف, والنزاع القطري السعودي في منطقة الخفوس, والنزاع القطري البحريني على جزيرة فشت الديبل وغيرها الكثير من النزاعات التي خلقها الاستعمار في المنطقة العربية بشكل مدبر حتى يستخدمها كورقة لإضعاف الدول العربية واثارة الصراعات والنزاعات بينها, والهائها ببعضها, وتبقى كل دولة من تلك الدول العربية تبحث عن حلفاء خارجيين للدفاع عن أراضيها وبالتالي تبقى حالة التبعية حاضرة بقوة في المشهد العربي, فعالمنا العربي مطلوب منه ان يبقى يعاني من الازمات الداخلية والخارجية حتى لا يستفيق ولا تقوم له قائمة, ولا يلتفت للمخططات والمؤامرات التي تحيكها قوى الاستعمار الذي يهدف للسيطرة عن بعد على البلدان العربية وادارتها بالريموت.
الاحتلال يسعى باستماته لأجل تفتيت الجبهات الفلسطينية على المستوى الداخلي والخارجي, وهو يعمل وفق خطة معدة سلفا لمنع وحدة الجبهات لما يمثله ذلك من خطورة على وجود «إسرائيل», ويستنزف من قدراتها وطاقاتها ويزعزع استقرار الجبهة الداخلية, فهو يحاول تحييد غزة عما يحدث في القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948م, اما خارجيا فتتخوف «إسرائيل» من وحدة الجبهات عسكريا, فوحدة الجبهات وتحديدا الجبهة اللبنانية والسورية كفيلة بتهديد امن «إسرائيل» وزعزعة استقرارها, القناة 12 العبرية، قالت «إن الجبهة الداخلية في «إسرائيل» ستتحول إلى ساحة معركة، وهو ما تستعد له القيادة العسكرية عبر اجراء مناورات واسعة الهدف منها التدرب على سيناريوهات حرب متعددة الجبهات، تحاكي التعامل مع استهداف الجبهة الداخلية بآلاف الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة يومياً, وتتضمن التدريبات كيفية التعامل مع سقوط العديد من الصواريخ الدقيقة التي ستضرب التجمعات والبنية التحتية مثل الكهرباء وخزانات المياه والغاز والوقود، وقواعد الجيش البرية والجوية ومصانع الأمونيا والمؤسسات الحكومية، بالتزامن مع انشغال الشرطة في مواجهة ما اسمته بأعمال عنف بين العرب واليهود في الداخل، بحسب القناة العبرية سيتم التعامل مع سقوط عدد كبير من المصابين, ويبدو ان «إسرائيل» تتوقع حدوث السيناريو الاسوء والذي يقض مضاجعها ويرعبها, خاصة بعد تصريحات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي القائد زياد النخالة, وامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن إمكانية توحيد الجبهات خلال المرحلة القادمة لردع الاحتلال وافشال مخططاته العدوانية.
فصائل المقاومة الفلسطينية نجحت في توحيد الجبهات الداخلية خاصة في اعقاب ملحمة سيف القدس البطولية، واستطاعت طرح برنامج سياسي عنوانه المقاومة والوحدة، فالوحدة الفلسطينية النضالية في مواجهة الاحتلال في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، شكلت بديلا عمليا لمسار «المصالحة» أو مسار «الانتخابات الفلسطينية» الذي تبنته السلطة الفلسطينية والفصائل، ومضت سنوات دون إحداث اختراق حقيقي فيه، وجاءت هذه الجولة من المواجهات لتعيد للفلسطينيين اعتبارهم. استطاعت هذه الجولة بشموليتها في القدس وغزة والضفة والداخل، تثبيت الحق الفلسطيني في القدس، وتفنيد رواية الاحتلال بأحقيته في تهويد القدس وأحيائها. يضاف لذلك هبة فلسطينيي الداخل المحتل التي برهنت بما لا يدع مجالا للشك أن «إسرائيل» أضعف مما تحاول تقديم نفسها به، وأن لدى الاحتلال خاصرة رخوة وحساسة لم تعد بمنأى عن الفعل الفلسطيني المقاوم والتأثر به، واستطاع الفلسطينيون تقديم نموذج لحالة الاستنزاف التي قد يخضع لها الاحتلال بتعدد ساحات المواجهة معه في كل فلسطين المحتلة، واذا كان هذا قد حدث بوحدة الجبهة الداخلية, فان وحدة الجبهات الخارجية التي هي الامل الذي يعيش عليه الفلسطينيون للخلاص من الاحتلال الصهيوني لأرضهم ومقدساتهم, ستكون نتيجته الحتمية انتصاراً, وهذا الانتصار سيتحقق حتما بعز عزيز او بذل ذليل, والوحدة الداخلية والخارجية تعني زوال هذا الكيان ودحره عن أرضنا, وتحرير الامة من التبعية للعدو الصهيوني وداعميه, وستبقى «إسرائيل» تواجه حلم الوحدة داخليا وخارجيا, لأنها تمثل خطرا حقيقيا عليها وعاملا رئيسيا لزوالها واندثارها.