بقلم: د. ليلى شمس الدين
تمر السنون، ويُسجّل عدّاد الزمن ارتفاعه يومًا بعد يوم، وتطوي الأيام صفحاتها مسجّلة حتى الآن، خمسين عامًا من النضال لا هوادة فيها.
هي معركة مستمرّة، تلوّنت ساحاتها بجميع أشكال العزيمة والإصرار، مقابل مروحة من التزييف والخداع المقرون بالاستخدام المفرط للقوّة والإكراه العسكري، كما نشهد مصادرة للأراضي وبناء للمستوطنات، واقتلاعًا للأشجار وتدميرًا للمنازل، أضف إلى ذلك القضاء على أكثر من 400 قرية عربية، من خلال طمس هويّاتها وتزوير تاريخها.
نعيش كما عاش آباؤنا وأجدادنا، معارك ومواجهات ضد محتّل صهيوني غادر، هاجمَ وقتل، واعتقل ودمّر، وأحرق وصادر، وهدم وأقصى، وأبعد وأسر بغطاء ومباركة دوليين، أطفالاً وشيوخًا، وشباباً وشيبة، ولا زال مستمرّاً في عنجهيته وطغيانه.
ومنذ ربع قرن ويزيد، شُكّلت وتتشكّل لجان، وأقيمت وتُقام مبادرات ومؤتمرات. كما شهدنا ونشهد وسنشهد إدانات وتحذيرات، ومناشدات واستنكارات من هنا وهناك. ومنذ ربع قرن ويزيد، تدين منظمات حقوقية ودولية الأفعال العنصرية المتمثّلة بسياسات هذا الكيان الغاصب والغادر في آن.
لم تنته الحكاية هنا، وإنّما حملت فصولها منذ نصف قرن من الزمن، مبادرات قدّم خلالها العديد من شعوب ودول العالم دعمهم اللفظي للشعب الفلسطيني، حتى يتمكّن من إقامة دولته الوطنية المستقلّة على أرضه، وعاصمتها القدس.
ولكن، وبعد خمسة وخمسين عامًا من الظلم الذي لحق بالفلسطينيين، وبعد تحويل أكثر من نصفهم تقريبًا إلى لاجئين في المنفى والشتات. وفي زمن التطبيع والاستسلام، إضافة إلى طمس الهوية الفلسطينية، تتمثّل القضية الأكثر خطورة التي يعمل عليها المحتل الصهيوني في تطويق الشعب الفلسطيني وتنفيذ العقاب الجماعي والفصل العنصري بحقه.
في هذا الزمن يُعمل أيضًا، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، يُعمل على تحويل الأراضي الفلسطينية إلى سجن كبير يسوده العنف والقتل والموت والدمار. ويكاد دوي الصواريخ، وعيون الأطفال، وتسبيحات الشيوخ، ومواجهة الشباب والشابّات لا يهز الضمائر. بل على العكس، نصغي إلى صمت غير مسبوق، ولم يُسجّل التاريخ الحديث مثيلاً أو شبيهًا له مع من يدّعون حماية الحرّيات، وصون حقوق الشعوب في وجودها وتقرير مصيرها.
نحن اليوم، أمام محاولات محمومة لربط المقاومة بالإرهاب، من أجل تبرير الاحتلال، والتلويح بسيف معاداة الساميّة، أمام أي أصوات حرّة، تندّد بالاحتلال والعدوان الصهيوني، أو تُطالب برفع الظلم عن شعب يُقتل في كل يوم ألف مرّة ومرّة.
في ظل هذه الظروف، يحيي الشعب الفلسطيني كما الأحرار في هذا العالم ذكرى يوم الأرض، مندّدين بالانتفاضة ضد وحشية وعنصرية وظلم المحتل، ومعلنين الرفض لمصادرة واغتيال وجودهم بكل ما يمثّل هذا الوجود.
في يوم الأرض نعتقد أن البيانات والمناشدات، والاتفاقيات والمبادرات لن تؤتي أكلها، فقد أثبتت التجارب، لا سيّما ما يحصل في العالم هذه الأيام، بأنّ الغلبة للأقوى، والسيطرة هي لمن يمتلك القوّة.
في يوم الأرض نستعرض تجارب الماضي، ومسار الحاضر لنستشرف المستقبل الذي يجب أن ننتزع فيه حقوقنا واستعادة أرضنا المغتصبة والمسلوبة، باعتماد أكثر من نهج ووسيلة، دون التخلّي عن خيار المقاومة، الذي أثبتت التجارب أنّه الخيار الأكيد الذي سيعيد تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح ...
في يوم الأرض نردّد لنؤكّد: بأنّ الأرض لنا .. والقدس لنا .. وبأيدينا سنعيد بهاء القدس .. بأيدينا ..
للقدس سلام .. ولفلسطين منّا ألف تحية وسلام ..