شكّلت انتفاضة الثلاثين من آذار 1976 انعطافة مهمّة في تاريخ شعبنا الفلسطيني؛ وأصبح هذا اليوم مناسبة وطنية فلسطينية وعربية. ففي الوقت الذي كان يظن فيه الاحتلال الإسرائيلي أنه استطاع تدجين الفلسطيني بالإغراءات تارة وبالقوة تارة أخرى، جاءت انتفاضة "يوم الأرض" ردًا واحتجاجاً على سياسة المصادرة وتهويد الأرض، ولتثبت وبشكل واضح وصريح تشبّث الشعب الفلسطيني بهويته وحقه في أرضه. وما بين "يوم الأرض"، والمسيرات التي تنطلق للعودة إلى الأرض يبقى هاجس الفلسطيني هو التأكيد على الحق في هذه العودة مهما طال الزمن، وأن مقولة رئيسة وزراء الاحتلال "غولدا مائير": "الكبار يموتون، والصغار سينسون" قد سقطت، لأن الأجيال الفلسطينية تمسّكت بحقها في العودة إلى ديارها، وسقوط الشهداء في "مارون الرأس" أثناء "مسيرة العودة" عام 2011، يُعبّر عن الانتماء الحقيقي والتّمسّك الجاد بالهوية، وبهذا الحق. كما تُشكّل مسيرات العودة المعلن عنها ردّا واضحًا على كل صفقات تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها التي يجري العمل عليها.
لقد ثبُت أن سياسة مصادرة وتهويد الأرض، وعمليات القتل والإرهاب والتنكيل بحق الشعب الفلسطيني لم ولن تفلح في جعل الفلسطيني يتخلّى عن أرضه ووطنه مهما كانت النتائج والظروف صعبة.
بدأ الكيان الإسرائيلي منذ العام 1948 بسرقة الأراضي العربية عبر إصدار القوانين المتعددة الأسماء والأشكال لتكون سرقتها "مبررة وشرعية" (!!)، فمن قانون الأراضي البور إلى المناطق المغلقة، إلى قانون أملاك الغائبين إلى مناطق الأمن، إلى استملاك الأراضي. إلى إرغام العرب على رهن أراضيهم، حتى تمكنت من تجريد العرب من حوالى مليون دونم من أخصب وأطيب أراضيهم. ولم يتوقف الكيان عن استصدار "قوانينه"، وممارسة سياساته، التي تتماشى ونظريته القائلة: "ما أصبح في يدنا هو لنا، وما يزال في يد العرب هو المطلوب".
وصادرت السلطات الإسرائيلية خلال الأعوام ما بين 1948-1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولت عليها عام 48 (وهي القرى التي تسمى اليوم مثلث الأرض).
وصادرت السلطات الإسرائيلية آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذي أغلبية سكانية تحت غطاء مرسوم جديد صدر رسمياً في منتصف السبعينات، أطلق عليه اسم مشروع "تطوير الجليل" والذي كان في جوهره الأساسي هو "تهويد الجليل" وبذلك كان السبب المباشر لأحداث يوم الأرض. فقد صادرت السلطات الإسرائيلية 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل في فلسطين التي احتلت عام 48، وتم تخصيصها للمستوطنات الإسرائيلية في سياق مخطط التهويد.
وسبق إعلان الاضراب الفلسطيني قرارات إسرائيلية، منها: قرار بإغلاق منطقة المل (منطقة رقم 9) ومنع السكان العرب من دخول المنطقة في تاريخ (13-2-1976).
وصدور وثيقة متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية (وثيقة كيننغ) في (1-3-1976)، كاقتراح لتهويد الجليل واتخاذ إجراءات سياسية إزاء معاملة الاقلية العربية في إسرائيل.
وعلى أثر هذا المخطط العنصري قررت لجنة الدفاع عن الأراضي بتاريخ (1/2/1976) عقد اجتماع لها في الناصرة بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية وفيه تم إعلان الإضراب العام الشامل في 30 آذار (مارس) احتجاجاً على سياسة المصادرة وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عسكرياً دموياً إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية وأخذت باطلاق النار عشوائياً فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي، أي في 30 آذار انطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين، هم: الشهيد خضر خلايلة (سخنين)، الشهيدة خديجة شواهنة (سخنين)، الشهيد رجا أبو ربا (سخنين)، الشهيد محسن طه (كفر كنا)، الشهيد رأفت الزهيري (من عين شمس واستشهد في الطيبة)، إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين.
إن معركة شعبنا في الحفاظ على الأرض مستمرة ولم تنته في 30 آذار 1976، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا ونستطيع القول والتأكيد إن كل الأيام الفلسطينية هي بمثابة يوم للأرض؛ ففي كل يوم تقوم حكومة الاحتلال العنصرية بمصادرة الأرض وبناء المستوطنات وهدم البيوت وطرد السكان، وفي المقابل يواجهها شعبنا بصلابة وإرادة لا تلين.
إن الأرض كانت ولا تزال تُشكّل مركز الصراع ولب قضية وجودنا ومستقبلنا، فبقاؤنا وتطورنا منوط بالحفاظ عليها، وأن إعادة الاعتبار لخيار الجماهير، التي خرجت في يوم الأرض تُقدم الشهداء وتسكب الدماء من أجل الحفاظ والدفاع عن هذه الأرض وفي مواجهة المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسّعي، كما حصل في العام 2011، وكما سيحصل هذا العام، أحد أساليب النضال المجدية في مواجهة نهب الأرض والتهويد المستَمِرَّين..
فالعدو سيرحل عن أيامنا وشهورنا، عن القدس وحيفا وبحر غزة تطاردهم المنايا؛ بسيوفٍ، بقنابل، وبجرحٍ نازف.. وسيبقى شعبنا منغرساً في الأرض كشجر التين والزيتون، يُشرق كما الشمس أن النصرَ حليفنا وأنهم راحلون.. راحلون.