د. محمد مشتهى
روسيا تحاول تلافي الفخ الأمريكي المزدوج، ويبدو أنها تسير في الإتجاه الصحيح حتى اللحظة، أمريكا أرادت أن تُضعف روسيا اقتصاديا بالعقوبات، وأرادت أن تُبقي أوروبا تحت وصايتها وترعبها بالبعبع الروسي، وأرادت أن تُحدث شرخ عميق بين أوروبا وروسيا من خلال نوعية العقوبات التي طالت كل ما هو روسي ولم يتبق منها سوى الايعاز لكل أوروبي متزوج من روسية أن يُطلقها، وأمام هذا الفخ الأول لا تزال روسيا تتعامل مع انعكاساته بحذر وتدعو أوروبا "الاكثر تضررا" لعدم الانجرار للمخطط الأمريكي، وإن صمود روسيا وبقاء تأثير العقوبات عليها ضمن الحدود المقبولة سيجعل من الأوروبيين أن يتفلتوا رويدا رويدا من الدائرة المرسومة لهم أمريكيا، ومع صمود الروسي وظهور انعكاسات العقوبات على الاوروبيين ستزداد فرصة التراجع الأوروبي شيئا فشيئا عن مواقفه، في السياسة هناك مقولة مشهورة تُقال: أكثرهم تطرفا أكثرهم تنازلا، وإن التطرف الكبير الذي نشهده من عقوبات لربما لأول مرة يسمع فيها الجيل المُعاصر الذي طال كافة مناحي الحياة، هذا يعتبر تطرف كبير ومفاجئ، والكل يعلم بأن مايسترو إدارة العقوبات هو الامريكي الذي لم ينفك في ترديد مقولة: أننا والاوربيون موحدون ولم نكن موحدون اكثر من اليوم، وكأنه بتباهيه بالوحدة يخاف عليها من أن يفرط عقدها، لقد ذهب الامريكي بعيدا جدا في عقوباته، وبالفعل هو أراد أن يجعل من روسيا دولة منبوذة كما قال بايدن، كيف سيحقق ذلك وهو نفسه لا يزال يستجدي دولا كثيرة لتنضم للعقوبات؟ كيف سيحقق ذلك وهو يطمئن الناتو بأن هناك خط ساخن مع روسيا لتجنب حوادث قد تؤدي لحرب عالمية؟ كيف سيجعل من روسيا منبوذة وهناك عالم آخر غير أوروبا وأمريكا لايزال له علاقات مع روسيا؟ برأيي؛ إن إرادة أي دولة مهما كانت عظمى لن تكون في النهاية قدرا مقدورا وحتمي التحقق، والتاريخ مليئ بالاحداث التي انقلب فيها السحر على الساحر، وأمريكا التي أرادت لروسيا ان تصبح منبوذة ممكن أن يرتدّ سحرها عليها، وبمجرد استمرار روسيا بعمليتها العسكرية وتأمينها لحدودها حينها ستهدأ الامور لكن ستصبح روسيا على حدود أوروبا الشرقية وسيدرك الاوروبيون أن روسيا أقرب لهم وسيضطرون في النهاية للتعاون معها، حينها من سيكون المنبوذ؟ ومن سيكون الذي خسر أوروبا بأكملها؟ هذا من ناحية فخ العقوبات، أما الفخ الآخر وهو أن الامريكي أراد ان تغرق روسيا في مستنقع اوكرانيا واستنزافها اخلاقيا وعسكريا، يُقصد بأخلاقيا هو ما يتم من حملات إعلامية واتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين بأوكرانيا، حيث أنه ووفق تقرير بثته قناة روسيا اليوم بأن أكثر من مائة الف خبر كاذب يوميا يتم بثه حول العملية العسكرية باوكرانيا يستهدف روسيا، لكن لازالت روسيا ومن خلال تقدم عمليتها العسكرية البطيئ تراعي هذا الأمر، وتحاول جاهدة ألا تقع في فخ جرائم الحرب، (مع يقيننا بأنه لا توجد حروب بلا انتهاكات وجرائم)، فأمريكا التي قتلت ٢ مليون عراقي ودمرت أفغانستان عن بكرة أبيها وانتهكت الاعراض في غوانتنامو وعلى الهواء مباشرة وشجعت "إسرائيل" ودولا اخرى لارتكاب جرائم الحرب، هي نفسها الآن تُظهر نفسها بأنها حامية للانسانية!!، فالقصة ليس لها علاقة بالانسانية بقدر ما هو صراع على إدارة العالم بأسره، هذا من الناحية الاخلاقية، أما الشق الثاني وهو إضعاف روسيا عسكريا واستنزاف قدراتها في أوكرانيا من خلال الدعم العسكري الرهيب لها وارسال المقاتلين هناك، أيضا روسيا متنبهة كثيرا لذلك وخَطَت خطوات صارمة تقيِّد الإمدادات العسكرية لأوكرانيا، ومنذ اللحظات الأولى هي ضربت كافة المطارات وسيطرت على المنافذ، ولا يمكن لأي إمداد عسكري أو حتى إنساني يصل إلى أوكرانيا دون علمها، اضافة لوجود حلفاء يقاتلون مع روسيا من الانفصاليين ومن الشيشان ومن بيلاروسيا وغيرهم، إذن الإمدادات التي تجري هي لروسيا وليست لأوكرانيا، وما يتم الحديث عنه من إمدادات عسكرية في الاعلام ربما يبقى جزء كبير منه حبيس الاعلام ولن يطأ أرض أوكرانيا للأبد، إذن نحن أمام حرب ليست حدودها اوكرانيا، نحن بالفعل في دائرة حرب عالمية حقيقية دخلت فيها عشرات الدول، ولم يبق من مظاهرها سوى تبادل اطلاق الصواريخ بين تلك الدول، كل ادوات الحرب العالمية الان تُستخدم، الاقتصاد والإعلام والحرب النفسية ومجلس الامن والرياضة والاكاديمي والفن وكل شيئ غير القتال المباشر، الآن برأيي من يعاني أكثر هم الامريكان وإن سمعتهم ونفوذهم باتت على المحك، وكل يوم يمر عليهم وروسيا تكون فيه هادئة يكونون هم أكثر عصبية، أوروبا في النهاية لن تبقى مع الأمريكي إلى أبد الآبدين وستذهب مع مصالحها عاجلا غير آجل، ولن يبقى أمام الامريكي سوى إشعال المنطقة بحرق أوروبا، فهل تقبل أوروبا أن تُحرق بالنيابة؟!!