أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله" اليوم الجمعة، إطلاقها لطائرة مسيرة في مهمة استطلاعية فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعادت بنجاح.
الطائرة المسيرة التي أطلق عليها حزب الله اسم طائرة "حسان" حلقت لمدة 40 دقيقة، وعلى عمق 70 كم داخل الأراضي المحتلة، قابلها جيش الاحتلال باستنفار لقواته، ومحاولات "القبة الحديدية" اسقاطها أكثر من مرة إلا أنها فشلت، ليعلن الحزب أن طائرته أتمت المهمة وعادت لقواعدها بنجاح.
إلا أن العديد من المتابعين والمهتمين بأمور المقاومة الإسلامية تساءلوا على السبب الرئيس وراء إطلاق حزب الله على هذه الطائرة اسم "طائرة حسان".
التسمية جاءت نسبة للقيادي البارز في حزب الله الشهيد حسان اللقيس، والذي يعد من قادة الحزب الذين لم يعرف عنهم شيئَا طيلة فترة حياته، وحتى استشهاده.
ما يُعرف عن الشهيد اللقيس محدود، في طبيعة الحال. فهو، كما وصفه السيد نصر الله، في حفل تأبينه، "لم يكن من المعروفين إلاّ في الدوائر الخاصة، وعلى مستوى العائلة والعمل، لأن طبيعة المهمة الملقاة على عاتقه لا تتيح له أن نعرّفه إلى الناس"، لكن "إسرائيل" تعرفه جيداً بلا شك. فمحاولات اغتياله بدأت في مطلع التسعينيات، ولم تنجح إلاّ بعد 7 أعوام من تكرار المحاولة في صيف عام 2006 (أدت العملية إلى استشهاد ابنه). وهي سنوات طويلة وكافية لمعرفة القائد المقرّب من الأمين العام لحزب الله، ومعاونه عماد مغنية، وقادة حرس الثورة في إيران.
يقترن اسم اللقيس بتطوير الطائرات المسيّرة. ولعه بالتكنولوجيا العسكرية وبمتابعة أحدث المعدات القتالية دفعه إلى إيلاء هذه الطائرات اهتماماً كبيراً، وذلك في وقت مبكّر جداً؛ أي منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حين بدأ تصميمَ طائرات باستخدام تقنيات متواضعة ومخرطة محلية.
المشروع بدأ يكبر بمساعدة رفقاء آخرين، لا نعرف منهم اليوم إلاّ من صار في عِداد الشهداء، كجميل سكاف وحسين أيوب، وهذا الأخير هو مَن حلّقت طائرة المقاومة باسمه لأوّل مرة، عام 2012، في سماء فلسطين المحتلة، وفوق منشآت إسرائيلية "حساسة".
تطورت "القوات الجوية في المقاومة الإسلامية في لبنان" بصورة لافتة بعد تحرير الجنوب عام 2001. أتيح المزيد من الفرص، والمزيد من الأمن، والمزيد من التعاون مع الخبراء في إيران، وذلك بالتوازي مع تطوير سلاح الإشارة السلكية واللاسلكية، والذي كان اللقيس معنياً به. باتت المقاومة أقل انكشافاً أمام الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية، وأكثر قدرةً على الكشف عن قدرات جيش الاحتلال، وهذا ما يظهر واضحاً في تجسس المقاومة على غرف عمليات الجيش الإسرائيلي، كما في حالة فكّ تشفير اتصال الطائرة المسيّرة الإسرائيلية في كمين أنصارية الشهير عام 1997.
اختُبرت الطائرات المسيّرة التي جهّزها اللقيس وعمل على تطويرها على نحو فعّال في عمليات داخل فلسطين المحتلة، وضد الجماعات المسلحة في سوريا، مساهمةً بذلك في جمع معلومات مهمة وحساسة تساهم في تأكيد دقة النيران، وتقليل حجم الخسائر البشرية والمادية. لكنّ الأهم أنّها تمكّنت من تخطي الرادارات الإسرائيلية أكثر من مرة، وتصوير منشآت على مستوى عالٍ من الأهمية.
مهمات أخرى اضطلع بها اللقيس ضمن مسؤوليته في شراء الأسلحة، فهو ساهم بشدة في تحديد نوع القوة النارية للمقاومة في لبنان وشكلها، حتى بات حزب الله "بفضله يمتلك قدرة نارية لا تملكها 90% من دول العالم"، وفق قول مائير داغان.
درجت العادة في مختلف حركات المقاومة ألاّ ينال قادتها ومبدعوها تكريماً في حياتهم. الأسماء يجب أن تظل مستورة وراء الإنجازات، لكن هذه الإنجازات تظهر في النهاية، وتترك أثراً غالباً ما يؤدي إلى استشهاد أصحابها. عند ذاك يُكرَّم هؤلاء بصورة تفوق كل التكريمات العسكرية الرتيبة: إطلاق أسمائهم على كتائب أو أسلحة أو عمليات (صاروخ عياش، طائرة أيوب، طائرة الزواري، راجمات بهاء أبو العطا)، أو تذكُّر عطائهم عند كل عملية تؤلم "إسرائيل".
الشهيد اللقيس تحمله، وتحمل ذكراه اليوم، كلُّ الطائرات المحلّقة في سماء فلسطين.