يحيي الشعب الفلسطيني الجمعة الذكرى الـ65 لمجزرة كفر قاسم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1956 بحق العشرات من سكان بلدة كفر قاسم في الأراضي المحتلة عام1948.
وتُعد مجزرة كفر قاسم إحدى المجازر الإسرائيلية التي اكتسبت بعداً خاصاً والتي جاءت ضمن خطة تهدف إلى ترحيل فلسطينيي منطقة المثلث الحدودي الواقع بين الأراضي المحتلة 1948 والضفة الغربية التي كانت آنذاك جزءاً من الأردن.
ففي 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956 فتح جنود الاحتلال الاسرائيلي النار على الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم في قرية كفر قاسم، فقتل 49 مواطناً معظمهم من الرعاة، والمزارعين، وأصيب 31 في 11 موجة قتل، توزعت في أنحاء القرية.
وارتقى في المجزرة 44 شهيداً على الطرف الغربي للقرية، بينما ارتقى ثلاثة شهداء على الطرف الشمالي، وفي داخل القرية ارتقى شهيدان، نصفهم من النساء والأطفال، وسميت كفر قاسم لاحقًا بمدينة الشهداء.
وفي نهاية الخمسينات، تمّ تقديم بعض المسؤولين عن المذبحة للمحاكمة، وتمّت تبرئتهم جميعاً إلا واحدًا يدعى "شدمي" تم تغريمه بقرش واحد فقط، لمشاركته في المجزرة.
وفي تفاصيل المجزرة أعطت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي أمرًا يقضي بفرض حظر التجول من الساعة الخامسة مساء وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، فيما طلب قائد الكتيبة "شدمي من ملينكي" أن يكون تنفيذ منع التجول حازماً بإطلاق النار وقتل كل من يخالف وليس اعتقاله.
وقال ملينكي في حينه: "من الأفضل أن يكون قتلى على تعقيدات الاعتقال، ولا أريد عواطف"، ومن ثم قام بتوزيع قواته على القرى الفلسطينية في المثلث من بينها كفر قاسم، وكفر برا، والطيرة، وجلجولية، والطيبة، وقلنسوة.
وتوجهت مجموعة من قوات "حرس الحدود" الإسرائيلي بقيادة الملازم آنذاك جبريئل دهان إلى كفر قاسم، حيث قام بتوزيع قواته إلى أربع مجموعات، بحيث بقيت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة، وأبلغوا مختار كفر قاسم في ذلك الوقت وديع أحمد صرصور بقرار منع التجول وطلب منه إبلاغ الأهالي بذلك، حيث رد صرصور بأن هناك 400 شخصاً يعملون خارج القرية ولم يعودا بعد ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم.
ورغم أن صرصور تلقى وعدًا من قبل مسؤول مجموعات حرس الحدود بأن هؤلاء الأشخاص سيمرون ولن يتعرض أحد لهم، إلا أنه وفي تمام الساعة الخامسة مساءً ارتكبت قوات حرس الحدود مجزرة كفر قاسم وقتلت من المزارعين العائدين الذين أعطتهم الأمان.
واكتسبت مجزرة كفر قاسم بعدًا خاصًا أيضًا لتزامنها مع واقعة العدوان الثلاثي على مصر في ذلك العام.
واستغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي انشغال العالم بحرب السويس لتنفيذ هذه المجزرة البشعة، وعند تنفيذها طوقت البلدة من جهات ثلاث بينما أبقت الجهة الشرقية نحو الضفة الغربية مفتوحة، مما يعكس عزم الاحتلال على تهجير سكانها.
ولم يكن عدد سكان كفر قاسم آنذاك يتجاوز ألفيْ نسمة.
محاولة إخفاء الجريمة
وحاولت حكومة الاحتلال برئاسة ديفد بن غوريون إخفاء حقيقة مذبحة كفر قاسم، إذ نـُشر أول خبر عنها في الصحف بعد أسبوع من وقوعها أي يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني، أما تفاصيلها فمنعت الحكومة وصولها إلى الرأي العام إلى يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 1956.
لكن النائبيْن الشيوعييْن توفيق طوبي وماير فلنر تمكنا من كشف ملابسات الحادث بعد تسللهما إلى البلدة لاستقصاء الحقائق بشكل مباشر من الشهود والمصابين، وإعداد وثائق ليتم طرحها داخل الكنيست الإسرائيلي، وإرسال وثائق خاصة بالواقعة إلى وسائل الإعلام والسفارات الأجنبية وكافة أعضاء الكنيست الإسرائيلي.
وأرغمت جهود النائبيْن حكومة الاحتلال على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والبدء في إجراء تحقيق أسفر عن محاكمة من اعتبرتهم الحكومة الإسرائيلية مسؤولين مباشرين عن المجزرة، فأجريت محاكمة صورية لهم حُكم فيها على الضابط شموئيل ملينكي بالسجن 17 عاما، وعلى جبرائيل دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عاما، وعلى الجنود الآخرين بالسجن لمدة ثماني سنوات.
أما قائد حرس الحدود المقدم شدمي الذي أعطى الأوامر بالقتل، فقد تمت تبرئته من ارتكاب الجريمة وغُرّم بدفع قرش واحد، وقد قال في حديث لصحيفة هآرتس العبرية إنه نفذ "أوامر عليا" حين أمر جنوده بقتل المدنيين قائلاً: "أحصدوهم".
ثم غُيّرت الأحكام الصادرة بحق مرتكبي الجريمة، حيث خُففت بعد الاستئناف لتصبح 14 عاما بحق ملينكي، وعشرة أعوام لدهان، وتسعة أعوام لعوفر، ثم خُفضت مرة أخرى باتجاه إلغائها نهائيا، إذ تدخل رئيس الكيان الإسرائيلي وخفض الأحكام إلى خمسة أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان، وأطلِق سراح آخرهم مطلع عام 1960.