قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الثلاثاء، "إنّ سلطات الاحتلال ارتكبت مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين"، لافتة إلى أنّ العديد من الانتهاكات المرتكبة في الأراضي المحتلة تشكل خرقاً جسيماً للحقوق الأساسية وأعمالا لا إنسانية هي شرط لتحقُّق الفصل العنصري.
وأضافت المنظمة الدولية، في تقرير أصدرته اليوم: "أنّ تلك الانتهاكات تشمل القيود المشددة على التنقل المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح؛ ومصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية؛ والظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أدت إلى الترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين من ديارهم؛ وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حق الإقامة؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين".
ووفقاً التقرير فإنّ هذه النتائج تستند إلى سياسة حكومة الاحتلال الشاملة للإبقاء على هيمنة "الإسرائيليين" اليهود على الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
ويدقق التقرير الصادر في 187 صفحات، بعنوان "تجاوَزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد"، في معاملة "إسرائيل" للفلسطينيين.
ويعرض التقرير الواقع الحالي، "إذ توجد سلطة واحدة – الحكومة الإسرائيلية – هي الجهة الرئيسية التي تحكم المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم تقريبا. تمنح هذه السلطة بشكل ممنهج امتيازات لليهود الإسرائيليين بينما تقمع الفلسطينيين، ويمارَس هذا القمع بشكله الأشدّ في الأراضي المحتلة".
وقال المدير التنفيذي لـ "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث: "حذّرتْ أصوات بارزة طوال سنوات من أن الفصل العنصري سيكون وشيكا إذا لم يتغير مسار الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين. تُظهر هذه الدراسة التفصيلية أن السلطات الإسرائيلية أحدثت هذا الواقع وترتكب اليوم الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد".
ووفق التقرير فإن النتائج التي تبيّن الفصل العنصري والاضطهاد لا تُغيّر الوضع القانوني للأراضي المحتلة، المكونة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وغزة، كما لا تغير واقع الاحتلال.
ويقول التقرير: بعد أن كان مصطلح "أبارتهايد" أو الفصل العنصري قد صيغ في سياق متصل بجنوب أفريقيا، أصبح اليوم مصطلحا قانونيا عالميا. يشكل الحظر على التمييز المؤسسي والقمع الشديدين والفصل العنصري مبدأ أساسيا في القانون الدولي. "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" لسنة 1973 (اتفاقية الفصل العنصري) و"نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية" لسنة 1998 (نظام روما الأساسي) يُعرِّفان الفصل العنصري باعتباره جريمة ضد الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:
أولاً: نية إبقاء هيمنة جماعة عرقية على أخرى. سياق من القمع الممنهج من الجماعة المهيمنة ضد الجماعة المهمشة. الأفعال اللاإنسانية. اليوم، تُفهم الإشارة إلى الجماعة العرقية على أنها لا تتناول المعاملة على أساس السمات الوراثية فحسب، بل أيضاًعلى أساس النسب والأصل القومي أو الاثنين، على النحو المحدد في اتفاقية التمييز العنصري. تطبق هيومن رايتس ووتش هذا الفهم الأوسع للعرق.
ثانياً: الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد، كما يعرّفها نظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي، تتكون من الحرمان الشديد من الحقوق الأساسية لمجموعة عرقية، أو إثنية، أو غيرها بقصد تمييزي.
ثالثاً: وجدت "هيومن رايتس ووتش" أنّ عناصر الجريمتين تجتمع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كجزء من سياسة حكومية الاحتلال واحدة، تتمثل هذه السياسة في الإبقاء على هيمنة "الإسرائيليين" اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء "إسرائيل" والأراضي المحتلة. تقترن في الأراضي المحتلة بقمع ممنهج وأعمال لاإنسانية ضد الفلسطينيين القاطنين هناك.
وقالت المنظمة الدولية: "إنّه بناءً على سنوات من التوثيق الحقوقي، ودراسة الحالات، ومراجعة وثائق التخطيط الحكومية، وتصريحات، ومصادر أخرى، قارنت هيومن رايتس ووتش السياسات والممارسات تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وإسرائيل بتلك المتعلقة باليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في نفس المناطق، فيما راسلت هيومن رايتس ووتش الحكومة الإسرائيلية في تموز/يوليو 2020 طالبة منها عرض وجهة نظرها بشأن هذه القضايا، لكنها لم تتلق أي رد".
ويقول التقرير: "في مختلف أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة، سعت سلطات الاحتلال إلى زيادة الأراضي المتاحة للبلدات اليهودية وتركيز معظم الفلسطينيين في مراكز سكانية مكتظة. تَبنّت السلطات سياسات للتخفيف مما وصفته علنا بأنه تهديد ديموغرافي من الفلسطينيين. في القدس، على سبيل المثال، تحدد خطة الحكومة للبلدية، بما يشمل الأجزاء الغربية وتلك المحتلة الشرقية من المدينة، هدف "الحفاظ على أغلبية يهودية متينة في المدينة، بل وتحدد النسب الديمغرافية التي تأمل في الحفاظ عليها".
ويضيف: "للإبقاء على الهيمنة، تميّز "السلطات الإسرائيلية" منهجياً ضد الفلسطينيين. التمييز المؤسسي الذي يواجهه الفلسطينيون في "إسرائيل" يشمل قوانين تسمح لمئات البلدات اليهودية الصغيرة فعليا باستبعاد الفلسطينيين، ووضع ميزانيات تخصص جزءا ضئيلاً من الموارد للمدارس الفلسطينية مقارنة بتلك التي تخدم الأطفال اليهود الإسرائيليين. في الأراضي المحتلة، فإن شدة القمع ترقى إلى القمع الممنهج، وهو شرط ليتحقق الفصل العنصري. يشمل هذا القمع فرض حكم عسكري شديد القسوة على الفلسطينيين، مع منح الإسرائيليين اليهود الذين يعيشون بشكل منفصل في نفس المنطقة حقوقهم الكاملة بموجب القانون المدني الإسرائيلي، الذي يحترم الحقوق".
وأكدت على أنّ العديد من الانتهاكات التي تشكل جوهر ارتكاب هذه الجرائم، مثل الرفض شبه القاطع لمنح الفلسطينيين تصاريح بناء وهدم آلاف المنازل بحجة غياب التصاريح، لا تستند إلى أي مبرر أمني. بعض الانتهاكات الأخرى، مثل قيام "إسرائيل" فعلياً بتجميد سجل السكان الذي تديره في الأراضي المحتلة، تستخدم الأمن ذريعةً لتحقيق مآرب ديموغرافية أخرى، وتمنع لم شمل العائلات الفلسطينية التي تعيش هناك بشكل شبه تام وتمنع سكان غزة من العيش في الضفة الغربية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه حتى عندما يشكل الأمن جزءاً من الدافع، فإنه لا يبرر الفصل العنصري والاضطهاد، تماما كما لا يبرر القوة المفرطة أو التعذيب.
وقال روث: "حرمان ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، دون مبرر أمني مشروع وفقط لكونهم فلسطينيين وليس يهود، ليس مجرد مسألة احتلال تعسفي. هذه السياسات التي تمنح اليهود الإسرائيليين نفس الحقوق والامتيازات أينما كانوا يعيشون، وتُميّز ضد الفلسطينيين بدرجات متفاوتة أينما كانوا يعيشون، تعكس سياسة تمنح امتيازا لشعب على حساب الآخر".
تصريحات سلطات الاحتلال وإجراءاتها في السنوات الأخيرة أوضحت نيتها الإبقاء على هيمنة اليهود الإسرائيليين. شمل ذلك سن قانون له مكانة دستورية عام 2018 ينص على أن "إسرائيل" "دولة قومية للشعب اليهودي"، ومجموعة القوانين المتنامية التي تمنح المزيد من الامتيازات للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ولا تسري على الفلسطينيين الذين يعيشون في نفس المنطقة، والتوسع الهائل في المستوطنات في السنوات الأخيرة والبنية التحتية المصاحبة لها التي تربطهم بإسرائيل. احتمالُ أن يعقد زعيم إسرائيلي مستقبلي يوماً ما صفقة مع الفلسطينيين تفكك النظام التمييزي لا ينفي هذا الواقع اليوم.
وشدد على أن على سلطات الاحتلال إنهاء جميع أشكال القمع والتمييز التي تمنح امتيازاً لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك حرية التنقل، وتخصيص الأراضي والموارد، والحصول على المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات، ومنح تصاريح البناء".
وأكد على أنّ على مكتب الادعاء في "المحكمة الجنائية الدولية" التحقيق مع الضالعين بشكل موثوق في الجريمتَين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ومقاضاتهم. على الدول الأخرى أن تفعل ذلك أيضا وفقا لقوانينها المحلية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وأن تفرض عقوبات فردية على المسؤولين عن هاتين الجريمتين، تشمل حظر السفر وتجميد الأصول.
النتائج التي تخلص إلى وجود جرائم ضد الإنسانية يجب أن تدفع المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم طبيعة عمله في "إسرائيل" وفلسطين واعتماد نهج يركز على حقوق الإنسان والمساءلة بدل أن يقتصر على "عملية السلام" المتوقفة. على الدول تشكيل لجنة تحقيق تابعة لـ "الأمم المتحدة" للتحقيق في التمييز والقمع الممنهجين في "إسرائيل" وفلسطين، واستحداث منصب مبعوث عالمي تابع للأمم المتحدة لجريمتَي الاضطهاد والفصل العنصري، مع تفويض لحشد الإجراءات الدولية لإنهاء هاتين الجريمتين في جميع أنحاء العالم.
وطالبت المنظمة الدول أن تفرض شروطاً تربط بيع الأسلحة والمساعدات العسكرية والأمنية "لإسرائيل" باتخاذ سلطات الاحتلال خطوات ملموسة ويمكن التحقق منها باتجاه إنهاء ارتكابها هاتين الجريمتين. وعلى الدول فحص الاتفاقات، وخطط التعاون، وجميع أشكال التجارة والتعامل مع "إسرائيل" للتدقيق في المساهمين المباشرين في ارتكاب الجرائم، والتخفيف من تأثير هذه الأنشطة على حقوق الإنسان، وحيثما لا يكون ذلك ممكنا، عليها إنهاء أشكال الأنشطة والتمويل التي يتبيّن أنها تسهّل هذه الجرائم الخطيرة".
وقال روث: "بينما يتعامل معظم العالم مع الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ نصف قرن على أنّه حالة مؤقتة ستحلها قريباً"عملية سلام" التي استغرقت عقودا، وصل اضطهاد الفلسطينيين هناك إلى حد واستمرارية يتوافقان مع تعريفات جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد. على أولئك الذين يسعون جاهدين إلى تحقيق السلام الإسرائيلي-الفلسطيني، سواء كان الحل في دولة واحدة أو دولتين أو كونفدرالية، أن يعترفوا في هذه الأثناء بهذا الواقع على حقيقته ويستخدموا أدوات حقوق الإنسان اللازمة لإنهائه".