بقلم: محمد العبد الله
«لقد نهضنا من أجل قتال العدوّ، وما دون ذلك مجرّد هوامش».
الشهيد فتحي الشقاقي
«أنا أعرف ما الذي أضاع فلسطين: يكتبون عن فلسطين وعن حرب فلسطين، وهم لم يسمعوا طلقة واحدة في حياتهم كلها».
الشهيد غسان كنفاني
جاءت الكلمة المسجلة التي أطل بها الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين»، زياد النخالة، مخاطباً الحضور في «ملتقى القدس النقابي الأول»، الذي شهدته العاصمة السورية دمشق يوم السبت 3 نيسان/ أبريل 2021، لتُعيد التأكيد ليس لمواقف «الجهاد» فقط، بل، وهنا الأهمية القصوى، المواقف/ الثوابت الوطنية الجذرية التي لا بدّ من التمسك بها في هذه المرحلة المهمة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، التي أرادت فيها قوى سياسية وفصائل مُسلحة مناضلة عدّة الانجرار إلى مربع/ مستنقع «أوسلو» الكارثي. كعادته، تحدث النخالة بكل جرأة ووضوح وبصراحته المعهودة التي رسم بها مسار الكلمة/ الخطاب: «يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها حتى نستطيع التغيير، وإلا سنبقى نغوص في الوحل ونصدق الأكاذيب التي أطلقناها منذ التوقيع على اتفاق أوسلو».
قبل الولوج في صلب الحدث السياسي الراهن، أي الانتخابات التي وصفها بأنها «حكاية»، في تلطيف لفظي وسياسي وأدبي لما يُمكن لأي محلل أو باحث أن يكتب عنها كـ«ملهاة أو مسرحية»، استحضر القائد الفلسطيني في خطابه مناسبتين وطنيتين كمدخل للقضية/ الحدث، تحملان دلالات مباشرة على مستوى الرؤية السياسية، ومنسوب الكفاحية العالية (الاشتباك) التي أكدتهما في «يوم الأرض الخالد» 30 آذار/ مارس 1976، وفي المعركة/ الملحمة البطولية التي خاضتها المقاومة المسلحة والجماهير داخل مخيم جنين في مواجهة آليات وقوات جيش المستعمرين الصهاينة صباح 2 نيسان/ أبريل 2002 واستمرت عشرة أيام.
لن تضيع البوصلة
في الموقف المتفرّد لـ«الجهاد»، بين كل القوى التي دُعيت وشاركت في جلسات حوارات القاهرة (شباط/ فبراير، وآذار/ مارس 2012)، الذي برز ليس حصراً في رفض المشاركة في انتخابات «المجلس التشريعي»، بل أيضاً في رفض التوقيع على ما سمّي «وثيقة الشرف»، وذلك في موقف منسجم تماماً مع قرارها بالمقاطعة، على عكس بعض القوى التي رفضت المشاركة في الانتخابات، لكنها وافقت على ذلك الميثاق الذي صيغ على مقاس تلك «الملهاة» من الحركتين المتفاهمتين ــــ المختلفتين سابقاً: «فتح» و«حماس»! وفي هذا تأكيد للموقف السياسي لـ«الجهاد الإسلامي». ثم يحدد الأمين العام الأولويات في مسيرة حركة التحرر الوطني، فيقول: «الأولوية مع وجود الاحتلال هي مقاومته وليس الانتخابات تحت الاحتلال». وهنا تبرز واحدة من مفارقات النضال الوطني الفلسطيني: كيف يمكن أن تتركز جهود عدد من القوى على مدى أشهر عدّة على حكاية أو «ملهاة» تأخذ إليها الشعب ليشارك في «لعبة المقاعد/ الكراسي»، ولا تتوقف عند الهجمات اليومية لقطعان المستعمرين على الأراضي والمزروعات والمناطق السكنية، وحي الشيخ جراح في القدس المحتلة خير دليل.
في كلام الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين»، تساؤلات تحمل السخرية والامتعاض ممّن يتحدّثون يومياً لتضليل الوعي الشعبي تجاه ما يسمّونه «سيادة»
يرى القائد النخالة الخطورة المباشرة والراهنة في أن «الانتخابات تأتي ضمن برنامج يضمن الاعتراف بالاحتلال وشرعيته على أرض فلسطين، وهذا تحوّل خطير يعطي شرعية للاحتلال بضم الضفة الغربية والقدس»، مضيفاً: «مسؤوليتنا المباشرة اليوم هي مقاومة هذا الاحتلال، وعدم الاعتراف بشرعيته، لا أن نتصارع على صناديق الانتخابات، والعدو يصارعنا على الأرض».
الكلام الهشّ عن السيادة
في الرد على بروباغندا الإعلام الرسمي للسلطة في رام الله المحتلة، ولغالبية القوى المشاركة في سردية حول تلك الحكاية/ المسرحية عن «السيادة»، المفقودة، لا كما يحلو لبعض الممثلين والكومبارس المشاركين في الترويج لمفهوم «السيادة المنقوصة»، ثمّة في كلام القائد النخالة تساؤلات تحمل السخرية والامتعاض ممن يتحدثون يومياً في محاولة يائسة وبائسة لتضليل الوعي الشعبي تجاه ما يسمّونه «سيادة». يقول: «لا سيادة فلسطينية فوق أي شبر من فلسطين ويقولون: تعالوا إلى الانتخابات! لا لعودة أي فلسطيني حتى إلى قطاع غزة أو الضفة لا يحمل شهادة ميلاد إسرائيلية ويقولون: تعالوا إلى الانتخابات! المستوطنات تقام في الضفة والقدس على مدار الوقت ويقولون: تعالوا إلى الانتخابات!». وهو يذهب بعيداً ليضع الإصبع على الجرح: «إنني أدعو القوى الفلسطينية كافة إلى عدم تصوير الانتخابات كأنها إنجاز وطني، حتى لا يتم تضليل شعوبنا العربية والإسلامية بأننا تحررنا ونمارس حياتنا بشكل طبيعي».
المقاومة المستمرة
لم يتردد الأمين العام لـ«الجهاد الإسلامي» في تعرية اللغو، نقيض المنطق، الذي يحاول بعضهم تمريره تحت لافتة سياسية! إن العاجزين والمُتكلسين والسماسرة المساومين على الحق التاريخي للشعب في وطنه، ودعاة «ما كان ينبغي حمل السلاح»، هم الفاشلون والساقطون على درب المسيرة الكفاحية للشعب. لهذا، يضع النخالة مقياساً للسياسة الوطنية بقوله: «لقد ذهب من ذهب إلى الانتخابات لأنهم لم يستطيعوا صياغة برنامج وطني جامع يوحد الشعب الفلسطيني على مقاومة الاحتلال، وسمّوا ذلك سياسة»، مضيفاً: «إنني مضطر هنا إلى أن أتحدث بهذه الصراحة، حتى يتوقف الذين يدّعون بأنهم يفهمون السياسة، وبأن الجهاد الإسلامي لا تفهم السياسة!».
انطلاقاً من هذا الموقف الوطني الجذري، وتنفيذاً للالتزام بموقف الحركة المُعلن بمقاطعة انتخابات «التشريعي»، وانسجاماً مع كلام الأمين العام في إشادته بالموقف الرافض لتلك السياسة/ النهج، «إن موقفكم هو الأكثر التزاماً والأكثر وعياً بطبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني، وحتى لا نضفي شرعية على الاحتلال، ولا نضفي شرعية على الصراع الداخلي»، لا بدّ لقيادة الحركة من التوجّه إلى أعضائها وجمهورها الواسع بنداء واضح يتضمن ضرورة الالتزام برفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع، لأن ترك العضو والنصير في موقع الاختيار «المُلتبس» بين حرية التصويت أو الامتناع عن المشاركة لا ينسجم مع موقف الحركة الجذري من الحكاية/ الملهاة.
في هذه المرحلة المضطربة التي تسود المشهد السياسي والداخلي الفلسطيني، جاءت كلمات القائد النخالة لتُقَدم إلى الشعب والأمة موقفاً/ نهجاً وطنياً وقومياً يعيد إلى الثوابت والمبادئ توهّجها في ظل إصرار بعضهم على إسقاط قضية التحرير والمقاومة من برنامج العمل الوطني. بلغة فلسطينية بسيطة، لكنها عميقة وحازمة، توجّه الأمين العام إلى القوى السياسية والفصائل بدعوة صريحة «للاتفاق أولاً على أننا شعب تحت الاحتلال، ومن واجبنا مقاومة هذا الاحتلال. هذه هي السياسة التي نفهمها، وهذه هي السياسة التي نعمل عليها ونلتزم بها». فهل تستجيب تلك القوى التي ما زالت ملتزمة بمقاومة الاحتلال لهذا النداء؟