بقلم: عنان نجيب
مع اقتراب ذكرى انطلاقة حركة التحرير الوطني (فتح) تُطل علينا فضيحة وكارثة بل وجريمة بحجمٍ لم نشهده سابقاً، تمثلت تلك الكارثة بتدنيسِ مسجدِ مقام النبي موسى عليه السلام، الذي شيّده الظاهر بيبرس، هذا المقام الذي انطلقت منه أولى ثورات هذا الشعب ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني عام 1920 والتي سُمّيت باسمه.
بقليلٍ من التعمق في الجريمة، نجد أنّ لها أبعاداً أخبث من أن تكون جريمة عادية ارتكبتها فئةٌ منحرفةٌ، فاختيار المكان المتمثل في المسجد، ومكان العبادة، ذي الرمزية التاريخية، والتوقيت المتزامن مع أعياد الميلاد وذكرى انطلاقة حركة فتح يدل بما لا يقبل مجالاً للشك عن توجهٍ سياسيٍ مستقبليٍ يتبناه بعضا من القيادة الفلسطينية، يرتكز على:
- ازدراء الأديان وافتعال القلاقل الدينية وتدمير ما تبقى من منظومة وطنية تمثلها فتح، وإلا كيف نفسر كل ما حصل، السيد محمد اشتية رئيس حكومة حركة فتح والذي يشغل أيضاً منصب وزير الأوقاف فيها، ويشغل أيضاً منصباً متقدماً في حركة فتح كعضو في مجلسها المركزي، فجريمةٌ بهذا الحجم لا يعقل بحال من الأحوال أن يتصدر لتنفيذها مؤسسة أهلية سخيفة بدون أن تملك تغطيةً كاملةً متكاملةً من الحكومة.
- إحتواء أي حراك شعبي فمنذ أن قدمت هذه السلطة إلى الأرض المحتلة، عملت بجهد على تفريغ الحالة الشعبية من محتواها، وتوظيفها في مؤسساتٍ أهليةٍ، تعتمد على المنح الأوروبية في تمويل برامجها حتى وصلنا إلى مرحلة الاشتراط السياسي والفكري من قبل المانح ليقود تلك المؤسسات كما الخراف إلى ما يراه يخدم تفريغنا من محتوانا الوطني والديني، واتفاقية (سيداو) وغيرها خير مثالٍ على ذلك.
- أفرز هذا الارتهان لجيوب المانح الأجنبي البغيض شريحةً من “رجال البزنس”، بمسميات وطنيةٍ، باتت تتاجر بكل ما يمكن المتاجرة به من؛ مقدساتٍ وصحة وتعليم، دون أيّ تدخل حكومي، إذ يمنع هذا المال المسموم والمشروط الوصول إلى هؤلاء التجار.
فاق حجم الجريمة توقعاتنا، المتقززة أصلاً، من الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، فهل ستنتهي الكارثة بتوقيف أحد الشواذ من المشاركين او بإحالة مسؤولٍ من وزارة الأوقاف أو السياحة للتقاعد المبكر، أو بتوبيخ المؤسسة الاهلية أداة الجريمة، إن قامت باستعلاف (كم مسؤول) من هنا وهناك ؟
إنّ الحالة الشعبية في الأرض المحتلة، التي تم استنزاف قواها وجرها لمربع التدجين، بجهودٍ رسمية فلسطينية، تكاد تكون ميتة، وإلّا فكيف لا يخرج لمواجهة هذه الجريمة، سوى أهل القدس ومرابطيها، واكتفى أهلنا في الضفة الغربية بالتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي!.
إذا أرادت حركة فتح أن تعيد شيئاً من حظواتها في عقول ووجدان الفلسطينيين، فلا أقل من استقالة هذه الحكومة، وطرد عضو مركزيتها محمد اشتيه، ومحاكمته والمتورطين معه، ليكون عبرة لمن يريد مستقبلاً الاقتراب من مقدساتنا ولكن هيهات أن يحدث ذلك ما لم يتقدم من تبقى من أبناء فتح الشرفاء لمحاسبة قيادتهم دون أن يهتموا بقطع الراتب أو الفصل من الوظيفة أو التجميد من الجهاز.
وإن كان من كلمةٍ تقال لنختم بها هذا النزف من الحروف، كي تجبر كسرنا ولو قليلاً، فهي لأهل القدس، أصحاب النخوة والحمية للدفاع عما تبقى من كرامة لهذا الشعب وهذه القضية المقدسة.