كشَفَ الشّريط الوثائقي الذي أعدّته خليّة “أمنيّة” تابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وبثّته قناة “الميادين” الفضائيّة، عن عمليّة اختراق أمني “مُعقّدة” لجِهاز المُخابرات الداخليّة الإسرائيليّة “الشاباك” من خِلال “دسّ” عناصر مُدرّبة للتعرّف على طريقةِ عملها في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة وكيفيّة تجنيدها للعُملاء، واختِبار الأهداف التي تسعى لضَربِها في المناطق المحتلّة، بِما في ذلك قادة فصائل المُقاومة.
هذا الكشف لا يُسلّط الضّوء على أحد الفُصول المُهمّة لحرب الاستِخبارات الفِلسطينيّة الإسرائيليّة فقط، وإنّما أيضًا درجة التقدّم في صُفوف حركة “الجهاد الإسلامي” في هذا المَيدان الذي يتمتّع بدرجةٍ عاليةٍ من السريّة في مُواجهة عدو يدّعي التفوّق، وامتِلاك قُدرات علميّة وعمليّة عالية المُستوى، مُدعّمة بأجهزة تجسّس هي الأحدث في العالم.
لا بُدّ من الاعتِراف بأنّ الحركة (الجهاد) تميّزت عن غيرها من مُعظم حركات المُقاومة في رفضها الانخِراط في أيٍّ من عمليّات التّطبيع مع سُلطة الاحتِلال، سواءً بشكلٍ مُباشر أو عبر وسطاء، وعدم الانخِراط في كُلّ المؤسّسات المُنبثقة عن اتّفاقات أوسلو التي تورّطت فيها منظّمة التحرير الفلسطينيّة، وورّطت عبرها الشعب الفِلسطيني في هياكل ومُمارسات جاءت لخدمة الاحتِلال، وتبييض وجهه، وتحسين صُورته البَشِعَة في العالم، وحِماية مُستوطنيه، ونحنُ نتحدّث هُنا دون مُواربة عن الانتِخابات التشريعيّة والرئاسيّة، وقوّات الأمن الفِلسطينيّة، والتّنسيق الأمني، وبِما يُؤدّي في نهاية المطاف إلى إعفاء سُلطة الاحتلال مِن مسؤوليّاتها كسُلطة مُحتلّة.
مِن اللّافت أن يُوازي هذا التقدّم في العمل الاستِخباري، وكيفيّة خوض الحرب النفسيّة ضدّ الاحتلال بكفاءةٍ عالية، التقدّم الآخَر في ميدان تطوير الصّواريخ الدّقيقة والطّائرات المُسيّرة، والتّدريب الحديث على الحُروب الإلكترونيّة في صُفوف حركات المُقاومة، الأمر الذي حقَّق ويُحقِّق درجةً عاليةً من توازن الرّعب، والوصول إلى أهدافٍ في العُمق الإسرائيليّ المُحتل، بحيث لم تَعُد الحُروب الإسرائيليّة ضدّ قِطاع غزّة طريق من اتّجاهٍ واحدٍ مثلما كان عليه الحال قبل عشرين عامًا.
حركة “الجهاد الإسلامي” أثبتت في جميع معاركها التي خاضتها مُنفردةً أو مع حركات مُقاومة أخرى ضدّ الاحتلال في الأعوام القليلة الماضية قُدرةً عاليةً على اتّخاذ القرار بالرّد على أيّ اعتداء إسرائيليّ دون تردّد، وامتِلاكها صواريخ دقيقة قادرة للوصول إلى تل أبيب وبُنى تحتيّة استراتيجيّة عسكريّة ومدنيّة، وأبرز الأمثلة على ذلك حربها الصاروخيّة الأخيرة التي أشعلت فتيلها ثأرًا لاغتِيال قائدها الميداني بهاء أبو العطا، وهي الصّواريخ التي دفعت بنيامين نِتنياهو يُهروِل للاتّصال بالقِيادة المِصريّة طلبًا لوقف إطلاق النّار، في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ، تقليصًا للخسائر البشريّة والماديّة والمعنويّة.
المُقاومة الفِلسطينيّة، وبفضل دعم حُلفائها في محور المُقاومة، سياسيًّا وعسكريًّا واستخباريًّا، نجحت في تغيير الكثير من المُعادلات على الأرض، وأصبحت قوّةً تُثير الرّعب في صُفوف الإسرائيليين، مدنيين كانوا أو عسكريين، والأيّام المُقبلة قد تكشف الكثير من المُفاجآت في هذا المِضمار، فالتّحضيرات جارية على قدمٍ وساق لعمليّاتٍ كبيرةٍ على أيّ هُجوم إسرائيلي وستَكون مُختلفة وأكثر تطوّرًا وجُرأةً من سابِقاتها مثلما كشفت مصادر عالية الاطّلاع.. واللُه أعلم.