كتب/ توفيق السيد سليم
قبل نحو عام من الآن، وصف الجنرال "الإسرائيلي" عاموس جلعاد، الكيانَ "الإسرائيلي" بأنه: "منزلٌ محميّ بجدرانٍ قويّة، بينما يأكله النملُ الأبيضُ من الداخل!"، كلامُ جلعاد ذلك جاء عشية التحضير لمؤتمر "هرتسيليا" الذي يتناول سنوياً جملة من التحديات الأمنية والسياسية التي تُواجه الكيان، في محاولة لإيجاد حلول لها، علّها تطيل من عمره على أنقاض فلسطين السليبة!.
وقبل نحو عشرين عاماً، وتحديداً في آيار 2000، ألقى سيد المقاومة في لبنان السيد حسن نصر الله، خطابَ النصرِ الشهيرِ من بنت جبيل، عقب فرار جيش الاحتلال تحت جُنحِ الظلام من الجنوب اللبناني؛ على وقْعِ ضربات المقاومة الإسلامية هناك، حيث قال:" إن (إسرائيل) هذه التي تمتلك أسلحة نووية وأقوى سلاح جوٍّ في المنطقة، والله هي أوهنُ من بيت العنكبوت".
ومنذ ذلك الحين، بات "بيتُ العنكبوت" وصفاً لصيقاً بهذا الكيان الغاصب، الذي يُثبت في كل مواجهة مع قوى المقاومة في فلسطين ولبنان، أنه بالفعل أهونُ من بيت العنكبوت، والشواهدُ على ذلك أكثر من أن تُحصى (...)، ولعلّ آخرَها ما أظهره جهازُ الأمن في "سرايا القدس" عبر وثائقي "بيت العنكبوت" الذي عُرِضَ على شاشة قناة الميادين اللبنانية مساء الإثنين الماضي.
وبين يَديّ وثائقي السرايا، الذي سجّل فصولَ معركةٍ استخباراتيةٍ معقّدة بين أمن المقاومة المُحَارَبَةِ والمُلاحَقَةِ على مدار الساعة، وبين ما يُسمَّى بأمن "إسرائيل" المدجّجة حتى أظفارها بأعتى أنواع الأسلحة والتكنولوجيا الأمنية والاستخباراتية الأحدث في المنطقة، بل والعالم بأسره، نُسجل جملة من النقاط:
- لقد استطاعت المقاومة وبكلِّ جدارة أن تسجِّلَ إنجازاً جديداً في سياق معركة "صراع الأدمغة" التي تخوضها أمام مخابرات العدو، التي حاولت منذ قيام الكيان على أنقاض فلسطين، رَسْمَ صورةٍ ذهنيةٍ "أسطورية" لها في عقول العرب والمسلمين، لا يمكن المساسُ بها أو الاقترابُ منها، وإذْ بسرايا القدس وبـ "ضربة معلِّم" رغم قلة الإمكانات تُحطِّمُ هذه "الأسطورية" المزيّفة.
- في الوقت الذي استطاعت فيه المقاومةُ بناءَ جسور الثقة بينها وبين جمهورها، بقدراتها وإمكاناتها، وجهدها وعملها الدؤوب، تمكّنت من تدمير الروح المعنوية عند ضبّاط أجهزة أمن العدو، من خلال التلاعُبِ بهم على مدار أكثر من أربع سنوات.
- تمكّنت سرايا القدس وعبر "بيت العنكبوت" من بثِّ روح الأمل لدى أولئك الذين استطاع العدوُّ من إسقاطهم في وحْلِ العمَالة لظروفٍ ما، عبر إمكانية احتضانهم وإعادة توجيههم؛ ليصبحوا داعمين لقوى المقاومة، وخدمة شعبنا، وبذلك استطاعت السرايا الانتقال بأولئك من دروب الخزيِّ والسقوط إلى دروب الفخر والرفعة والمنعة.
- وبما أنَّ العملَ الاستخباراتي قائمٌ في أحدِ جوانبه على الشقّ التكنولوجي، فقد أجادت سرايا القدس توظيفَ التكنولوجيا في إنجاز مهمتها الاستخباراتية المعقدة، وتوثيقها بالصوت والصورة، ما شكّل فضيحة مدوّية وسقطة كبيرة للمنظومة الأمنية "الإسرائيلية".
- إعادةُ توظيف سرايا القدس لمصطلح "بيت العنكبوت" الذي اجترحه السيد حسن نصر الله، قبل نحو عشرين عاماً من وحْي القرآن، عند الإشارة لـ "إسرائيل"، يعطي مفاعيلَ سلبية لدى الوعي الجمعيّ "الإسرائيلي"، كما ويرمز إلى هشاشة الوضع الداخلي للكيان، ويمثل خطراً وجودياً عليه، ومن ناحية أخرى يشكّلُ دافعاً قوياً لقوى المقاومة؛ لمواصلة الهجوم عليه حتى دحره وإزالته من على الوجود؛ تعزيزاً لرؤيتها وعقيدتها الإيمانية بزوال "إسرائيل" والتي غدَت شعاراً يردّده الأطفالُ "زوالك يا إسرائيل حتمية قرآنية".
- رغم ما تحقّق من إنجاز مهم في "بيت العنكبوت"، إلّا أن قوى المقاومة اليوم، باتت مُطالبة أكثر من أي وقتٍ مضى، أن تُراكمَ على هذا الإنجاز، وصولاً إلى تشكيل وعي جمعيّ بإمكانية هزيمة هذا الكيان ومَنْ يقف خلفه من مجرمي العالم، فالمعركة ما زالت في بدايتها، وصراعنا ما زال مفتوحاً.. وخيرُ زادٍ في هذه المعركة "وعيٌ وإيمانٌ وثورة".. وعندها سيفرحُ المؤمنونَ بنصرِ الله.