– بقلم علي صالح
كما كان متوقعا، ووفقا للرسائل التي كان يطلقها المسؤولون الإسرائيليون، لم تعلن حكومة دولة الاحتلال مع حلول الأول من يوليو، فرض السيادة الاحتلالية على %30 مما تبقى من أراضي الضفة الغربية، بما فيها شمال البحر الميت ومنطقة الأغوار، بعدما يخصم منها مساحة القدس الشرقية وضواحيها طبعا، ومساحة المستوطنات القائمة.
والحقيقة أن هذه المناطق تُسيّر الآن عمليا وفق القوانين الإسرائيلية، وتفعل فيها سلطات الاحتلال، وقطعان مستوطنيها، بحماية يوفرها جيش الاحتلال، ما يحلو لهم من اعتداءات على الفلسطينيين، ومصادرة أراضيهم وهدم بيوتهم وتهديد حياتهم، والتضييق عليهم لحملهم على الرحيل. وموضوع إعلان السيادة ما هو إلا خطوة فقط للمصادقة عليها داخل الحكومة والكنيست، والإعلان عنها لتصبح رسميا جزءا من دولة الاحتلال، باعتراف دول العالم بعد موجة من الإدانات اللفظية والمقاطعات الاقتصادية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع وسرعان ما تتلاشى.
وثمة من يعتقد أن صفقةً ما تدور في الخفاء من وراء ظهر الفلسطينيين، بموجب هذه الصفقة تحصل دولة الاحتلال على التطبيع والاعتراف الرسمي والعلني، الذي تبتغيه، مع دول خليجية مقابل «التنازل» عن إعلان السيادة ولو مؤقتا، عن أراض فلسطينية، ليس من حق إسرائيل أصلا التصرف بها، ولا تعترف دول العالم بولايتها، أو سيادتها عليها. وإذا ما صدقت التخمينات، فإن هذه الخطوة تعني دق المسمار الأخير في نعش ما يسمى مبادرة السلام العربية، وهي في الأساس مبادرة سعودية المصدر، تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002 ، لتحمل رسميا لقب مبادرة السلام العربية، وتنص على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة وأراض ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل تطبيع العلاقات معها.
ولو لم يكن في ما تقدم بعض من المصداقية، لما حذّر منه صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ودعوته للدول العربية لعدم القبول بأي خطوات للتطبيع مع إسرائيل، مقابل سحبها مخطط «الضم». وحسب عريقات فإن، «هناك من يقول إنه إذا تراجعت إسرائيل عن الضم، سنطبع العلاقات معها»، وهو بذلك يشير إلى ما جاء في مقال ليوسف العتيبة السفير الإماراتي لدى واشنطن، الذي خص به صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، استجدى فيه إسرائيل التراجع عن مخططّ الضمّ الاستعماري في الضفة، مقابل مزيد من التطبيع معها. وقال العتيبة في مقاله، إن إسرائيل لن تستفيد من «خطوة الضمّ»، محذرًا من أنها «ستضر بجهود التطبيع مع العالم العربي»، وأعطى العتيبة لنفسه الحق للحديث باسم العرب أجمعين. وأضاف والكلام لعريقات: «هذا خطأ، لأن لدينا مبادرة السلام العربية، التي يأتي فيها التطبيع بعد الانسحاب إلى حدود 1967».
لا أعتقد أن تحذيرات عريقات، ستجد آذانا صاغية عند بعض الدول الخليجية، التي قطعت أصلا شوطا طويلا على درب التطبيع، مثل دولة الإمارات، التي اتخذت خطوات عملية للتعاون، وفتح المشاريع المشتركة مع إسرائيل. وتحدثت وكالة أنباء الإمارات (وام)، في الأسبوع الماضي عن شركتين من القطاع الخاص الإماراتي، ربما والعلم عند الله، تعود ملكيتاهما لأحد أفراد الأسرة الحاكمة، ستتعاونان مع شركتين إسرائيليتين في مشاريع لمكافحة فيروس كورونا. وقالت الوكالة: «تأتي هذه الشراكة العلمية والطبية لتتجاوز التحديات السياسية التاريخية في المنطقة، ضمن أولوية إنسانية وتعاون بناء، يهدف إلى التصدي لجائحة كوفيد – 19 والتعاون لأجل صحة مواطني المنطقة». وبينما تحدثت «وام» عن مصلحة الإنسان والبشرية، وأن حمايتهما في مقدمة الأولويات للعمل معاً، إلا أنها لم تأخذ بعين الاعتبار، مصالح الإنسان الفلسطيني الذي تحاول سلطات الاحتلال اقتلاعه منها، بل تساعد عمليا في انتشار فيروسات كورونا في صفوف عشرات آلاف العمال الفلسطينيين، الذين بدورهم ينقلون الفيروس إلى أفراد أسرهم وأصدقائهم ومخالطيهم في الصفة الغربية، وهذا ما يفسر عودة الفيروس بقوة في موجة ثانية بعد القضاء عليه تقريبا، من دون خسائر كبيرة تذكر.
وهنا لن نتحدث عن العروبة واللغة، أو الدين أو الجغرافيا التي كان يفترض أن تجمعنا، فجميعها أصبح في خبر كان، ولا يعول عليها، بل نتحدث عن حق مهضوم تقف إلى جانبه كل دول وشعوب العالم الحر. ومن أجل مساعدته والدفاع عنه نشأت حركة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها المعروفة عالميا باسم BDS. وبالمناسبة فقد انتصرت هذه الحركة قبل أسبوعين على الحكومة الفرنسية بالفوز بحكم من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية يرفض تجريم ناشطيها، بدعوى أنهم يثيرون العنصرية والتحريض ضد إسرائيل، ومعاداة السامية، بدعوتهم لمقاطعة إسرائيل، في مظاهرات جرت في أوروبا في 2009 و2010، مؤكدةً على أن «إدانتهم انتهاك لحرية التعبير». ليس هذا فحسب، بل ثبتت واقعا وهو أن عمل حركة المقاطعة شرعي يندرج تحت الفقرة العاشرة من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تكفل حرية الرأي وحرية التعبير، وأمرت بدفع تعويضات مادية قدرها نحو 17.3 ألف يورو لكل ناشط أدين.
وحتى لو افترضنا جدلا أن إسرائيل قبلت آنيا بمقايضة إسقاط إعلان الضم مقابل التطبيع، فمن ذا الذي يضمن، أن تبقي هي على هذا الاتفاق. فتجاربنا المريرة والعديدة علمتنا ألا نثق بدولة الاحتلال، ولن نحتاج لكي نحفر كثيرا في التاريخ، بل لننظر إلى تجربتنا خلال السنوات الثلاثين الماضية فقط.. تعلمنا أن ليس لجشعها حدود، فهي دوما تريد المزيد، فقد اعترف العرب بحدود التقسيم لعام 1947، ولم تكتفِ فاحتلت المزيد، واعترفت منظمة التحرير بحدودها وسيادتها على %78 من فلسطين التاريخية في إطار اتفاق وقع في البيت الأبيض، وبإشراف الرئيس الأمريكي وإجماع دولي لم يسبقه مثيل، ولم تكتفِ وظلت عينها مركزة على الـ22% بايدي الفلسطينيين. ولن تكتفي أيضا حتى بما يمكن أن تضمه من الـ22% بل تريد كامل الكعكة، وأيضا لن يكون هذا كافيا، ومخططها النهائي هو ترحيل العدد الأكبر من الفلسطينيين، لأنها لا يمكن أن تقبل بوجود نحو6 ملايين فلسطيني، بين البحر والنهر، وهو عدد مرشح لأن يتضاعف في غضون أقل من عشرين سنة.
وأختتم بمفاجأة المؤتمر الصحافي الافتراضي، الذي شارك فيه جبريل الرجوب أمين سر حركة فتح من رام الله، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس من بيروت، الذي جاء كما قيل ثمرة لاتصالات سابقة، والأهم من اللقاء هو ما نطق به المسؤولان الفلسطينيان عن وحدة الميدان في مواجهة مخططات الضم، التي ستكون خطوة عملية نحو إنهاء الانقسام. ولو لم تكن هذه الخطوة ذات أهمية قصوى لما أثارت مخاوف أوساط سياسية وإعلامية اسرائيلية. وحتى صحيفة «هآرتس» وصفته بمرحلة جديدة ووحدة نادرة بين الفصيلين المتناحرين، كما أن انعقاد المؤتمر فاجأ المنظومة الأمنية الإسرائيلية.
في المؤتمر الصحافي أعلن الرجوب والعاروري، التوافق على مواجهة مخطط الضم الإسرائيلي و»صفقة القرن»، بخطوات عملية على الأرض، وتعهدا بإفشال تلك المخططات. وأشار الرجوب إلى وجود توافق على التصدي للمخطط الإسرائيلي، في الميدان، وستكون هذه مقدمة مهمة لتجاوز الانقسام، ولتطوير العمل لإنجاز الوحدة الوطنية. وليس انعقاد المؤتمر بحد ذاته يحمل بين طياته الكثير من الإيجابيات، ولكن ما جاء في المؤتمر من وعود كثيرة تبشر بخير، إن نفذت والتزم الطرفان بها. الكلام قد قيل وهو كلام جميل يثلج الصدور ويبقى أن نرى تطبيقه على أرض الواقع. يجب عدم الانتظار فحكومة الاحتلال تمارس السيادة فعليا على الأرض، ولا بد من التحرك فورا ولا مجال للانتظار. ونأمل أن يكون هذا المؤتمر الخطوة الأولى نحو مزيد من التعاون والتنسيق ونحو تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وحشد كل القوى وكل الجهود وشحذ الهمم لمواجهة العدو المشترك ومخططاته، لإنهاء القضية الفلسطينية عبر الترحيل الممنهج. النصر مقبل بالتأكيد بوحدتنا وإصرار شعبنا على الصمود على أرضه ومواصلة المقاومة بجميع أشكالها، حتى إنهاء الاحتلال ونيل الاستقلال، وإن غدا لناظره قريب.