لم تغب الذاكرة الفلسطينية عن الحق التاريخي في فلسطين ولا السعي الدؤوب لنيل الحقوق الوطنية بالمقاومة في أشكالها كافة
مرّت الذكرى الثانية والسبعون للنكبة، وأزيلت العقبات من أمام تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» بزعامة بنيامين نتنياهو، وفقاً للاتفاق بين الليكود وكتلة أزرق - أبيض والعمل والأحزاب القومية الدينية اليمينية المتطرفة على السياسات العامة للدولة في ما يتعلق بضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، ومصادرة آلاف الدونمات بالقرب من الحرم الإبراهيمي في الخليل لإقامة كنيس ومعهد ديني، علماً أن الاحتلال اقتسم الصلاة لليهود في الحرم.
قبل التشكيل كانت هناك مناورات داخلية كثيرة بين «المتفقين». ما الذي يثبته ذلك؟ تأكيد النزاع الشديد بين الأحزاب على المناصب، بخاصة الحصول على بعض الوزارات الأكثر تأثيراً من غيرها، كالخارجية، والمالية ووزارة الأمن وغيرها. إن إحدى النتائج التي يمكن استخلاصها من «مسلسل» تشكيل الحكومة بعد ثلاثة انتخابات تشريعية على مدى عام، أن الاتفاق على المناصب كان العقبة الرئيسية وليس السياسات تجاه الحقوق الفلسطينية، وهذا يؤكد أنه لولا الشعار الذي يجمع كافة ألوان الطيف السياسي «الإسرائيلي» وهو العداء للفلسطينيين والعرب، والأطماع الصهيونية في احتلال مزيد من الأرض العربية، لكانت صورة الكيان الصهيوني غير التي هي عليه الآن، وأقل ما يمكن أن يقال فيها، إنها ستكون أقلّ قوّة وتماسكاً بين مكوناتها الإثنية التي كلما مرّت عليها السنوات، تزداد التناقضات في ما بينها. فالأصول الأشكنازية والسفارديمية والفالاشا تعبر عن نفسها بخلافات عقائدية جدّية، والذين قاموا من الفالاشا بتظاهرات، قمعهم جيش الاحتلال بدموية مفرطة وقتل العديد منهم بدمٍ بارد، وهم تظاهروا احتجاجاً على العنصرية الصهيونية الممارسة ضدّهم.
يمكننا التأكيد أنه رغم مرور 150 عاماً على بدء الاستيطان الصهيوني في فلسطين، ورغم مرور 100 عام على نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني ومعه آلاف المتطوعين العرب (من مختلف أنحاء الدول العربية) ضد العصابات الإرهابية المسلحة بدايةً من (الأرغون، الهاجناه، شتيرن، ليحي والإيتسل)، وفي ما بعد ضد الدولة الصهيونية، ورغم مرور 72 عاماً على احتلالها، الاغتصابي بالتآمر العضوي مع الاستعمار البريطاني أولاً والأمريكي في ما بعد وبمساعدة دول استعمارية أخرى أمدّت الكيان الصهيوتي بالأموال والسلاح، رغم كل ذلك، لم تغب الذاكرة الفلسطينية للكبار والصغار عن الحق التاريخي في فلسطين ولا السعي الدؤوب لنيل الحقوق الوطنية بالمقاومة في كافة أشكالها وصورها، الأمر الذي يشكل أحد المآزق الكبيرة للوجود «الإسرائيلي» نفسه، وقد تحوّلت هذه القضية إلى أزمة تاريخية تتناسب طردياً مع سنوات الوجود. ولذلك أعلنت جولدا مائير أنها تصاب بالغصة صباح كل يوم يولد فيه طفل فلسطيني، وتمنى رابين أن يصحو يوماً فيكون البحر قد ابتلع غزة.
نسأل: ألا يعني ذلك شعوراً من «الإسرائيليين» بمأزق وجود حقيقي لهم؟ لقد مارست «إسرائيل» محاولات كثيرة بأشكال عديدة، «أسرلة» أهلنا في منطقة 48، من أجل أن تنسيهم هويتهم الوطنية الفلسطينية العربية الكنعانية الأصيلة على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، من أجل محو الذاكرة الفلسطينية، لكن أهلنا في منطقة 48 زادوا انتماء لشعبهم. كما أن الهوية الفلسطينية والذاكرة، في ردّ فعل شعبي أصيل تزدادان اشتعالاً بمرور السنوات، إضافة إلى الزيادة العددية للشعب الفلسطيني حيث أصبح الفلسطينيون يتساوون عدداً مع اليهود على أرض فلسطين التاريخية، ما أدّى بالاستراتيجيين «الإسرائيليين» إلى البحث في ما أسموه حلولاً ل «أزمة الديمغرافيا» وتأثيرها على مستقبل «إسرائيل» في أبحاث مؤتمر هرتسيليا ال 19، وهذا يشكل مأزقاً جديداً لها.
أما المآزق الأخرى التي تعيشها «إسرائيل» فتتمثل في العنصرية وإقامة الدولة قسراً وازدياد الهجرة العكسية والعزوف عن الهجرة إليها وافتقاد الانتماء إلى الوطن «الإسرائيلي»، إضافة إلى يهودية الدولة وقوميتها، الاختلاف على تعريف من هو اليهودي، والصراع بين الأساس التوراتي والأساس القانوني لشرعية وجود الدولة، الأمر الذي أدّى إلى محاولة قادتها تحويل الصراع من وطني تحرري للفلسطينيين والعرب إلى صراع ديني، فشعار «العداء لليهود» هو الشعار الأكثر مواءمة لوجود «إسرائيل»، وغيرها من العوامل الكثير.