حسن لافي
انتهت جولة الانتخابات الثالثة التي جرت في غضون أقل من عام في "إسرائيل"، من دون أن تنهي حالة عدم الاستقرار السياسي فيها، بل إن نتائجها زادت الطين بلة، إذ حصلت كتلة اليمين واليمين الديني، بقيادة بنيامين نتنياهو، على 58 مقعداً في الكنيست، وحصل معسكر الرافضين لحكم نتنياهو على 62 مقعداً، لكن مشكلة هذا المعسكر أنه يشمل "القائمة المشتركة". ومن دون المقاعد الخمسة عشر الخاصة بها، لم يكن بالإمكان إزاحة نتنياهو وتشكيل حكومة بقيادة بيني غانتس؛ زعيم حزب "أزرق أبيض".
في الخلاصة، أدت نتائج الانتخابات الجديدة أن لا خلاص من نتنياهو وإنهاء حالة عدم الاستقرار إلا من خلال أصوات فلسطينيي العام 48، التي تنقلهم من هامش الحياة السياسية الذي حاولت كل افلأحزاب الصهيونية على مدار تاريخ "إسرائيل" إبقاءهم فيه إلى مركز الحلبة السياسية الإسرائيلية، الأمر الذي يعيد طرح مسألة فلسطينيي العام 48، الذين منحتهم "إسرائيل" حق المواطنة، وهم يشكلون ما يقارب 20% من إجمالي "مواطني إسرائيل".
استطاع نتنياهو تحقيق ما يمكن أن يُطلق عليه "المعجزة" في هذه الانتخابات، فهو رئيس وزراء وُجهت إليه 3 لوائح اتهام، وسيجلس على مقعد الاتهام في المحكمة، وينافسه في الانتخابات ائتلاف حزبي مكون من 3 رؤساء أركان سابقين، فضلاً عن موقف سلبي من قبل الإعلام الصهيوني ضده. وعلى الرغم من كل ذلك، حصل حزبه على أعلى الأصوات، وانتصر معسكر اليمين.
لكن هذه المفاجأة تلاشت أمام صاعقة نتائج "القائمة المشتركة"، إذ قامت حسابات نتنياهو على أن فلسطينيي العام 48 خارج المعادلة الإسرائيلية، لأن "إسرائيل" في عقيدة نتنياهو هي دولة يهودية لا مكان لغير اليهودي فيها، وهو ما أكده قانون القومية الذي سعى إلى إقراره سابقاً، ولكنه وجد أن خصومه السياسيين من اليهود الصهاينة مستعدون للتعاون مع "القائمة" غير اليهودية وغير الصهيونية لإزاحته عن كرسي رئاسة الحكومة من خلال تشكيل حكومة أقلية مدعومة من الخارج بأصواتها، وهذا ما نشهد ملامحه بعدما أوصت "القائمة" على بيني غانتس أمام رئيس دولة الاحتلال ليتم تكليفه بتشكيل الحكومة.
ورغم اعتقادنا أن هذه ورقة سيستخدمها غانتس لتحسين وضعه التفاوضي، سواء أمام نتنياهو أو كتل اليمين الأخرى لتشكيل حكومة وحدة صهيونية بمعزل عن دعم "القائمة المشتركة"، التي وإن حدث وتم تشكيل حكومة مدعومة منها فستكون فاقدة للشرعية الصهيونية ومن الممكن أن يتم إعادة سيناريو "ايغال أمير" قاتل إسحاق رابين.
هذا المشهد لم يخرج نتنياهو فحسب من عقاله، بل طال الجمهور الصهيوني اليهودي بأغلبيته، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن 66% من الجمهور اليهودي يرفض حكومة مدعومة من "القائمة المشتركة"، ناهيك بحالات التمرد داخل حزب "أبيض أزرق"، الرافضة للتصويت على حكومة يشكلها الحزب، ما دامت مدعومة من أصوات فلسطينيي العام 48.
رغم تكليف بني غانتس لا بد أن نفرّق ما بين التوصية له وما بين الموافقة على المشاركة بحكومة مدعومة من "القائمة المشتركة".
واضح من خلال تصريحات اثنين من أعضاء حزب "أزرق أبيض" أن هناك رفض لحكومة أقلية مدعومة بأصوات العرب، ناهيك عن ما يشبه الانشقاق داخل ائتلاف معسكر اليسار، عندما أعلنت زعيمة حزب "جيشر"، أورلي ليفي أبو كسيس، أيضاً رفضها، على الرغم من أن هذه الحكومة تستطيع أن تخرج "إسرائيل" من حالة عدم الاستقرار السياسي والحكومي، وفي الوقت ذاته تبعد نتنياهو الفاسد عن سدة الحكم فيها.
لكن مهما كانت العداوات والشروخ الإيديولوجية والخلافات السياسية بين اليهود في "إسرائيل"، فإنها تبقى محصورة بالتأكيد في الداخل الصهيوني، ولن تصل بأي شكل إلى التناقض المركزي والعداء الأصلاني بين الصهيوني المحتل والفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، حتى لو سمح له بالتصويت في الانتخابات.
إن التعامل مع فلسطينيي العام 48 ورؤية الحركة الصهيونية لهم يعتبر سؤالاً جوهرياً وعميقاً داخل فكرها وممارستها، لطالما حاولت أن تخفي إجابته الحقيقية تحت طبقات من مساحيق الديموقراطية المزيفة، تحت شعار "إسرائيل" دولة يهودية ديموقراطية، في ظل خشية الآباء المؤسسين الصهاينة من إظهار الوجه الفاشي الإحلالي الاستعلائي الكولونيالي لفكر الحركة الصهيونية ونظام "دولتها إسرائيل".