الدكتورة أنيسة فخرو
الكاتب العبقري محمد الماغوط في عام 1978، كتب بسخريته الواقعية المعهودة يقول:
” كيف أوقظ الأمة العربية من سباتها؟ كيف أُقنع الأمة أن أحلام إسرائيل أطول من حدودها؟ فهي لو أُعطيت اليوم جنوب لبنان طوعا لطالبت بشماله لحماية أمنها في الجنوب، ولو أُعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا لحماية أمنها في لبنان، ولو أُعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية أمنها في تركيا، ولو أُعطيت كل أوروبا الشرقية لطالبت بأوروبا الغربية لحماية أمنها، ولو أُعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية أمنها في القطب الشمالي!”
وهذا بالضبط ما حدث ويحدث في كل لحظة، فمنذ تأسيس هذا الكيان الصهيوني الغاصب عام 1948 حتى اللحظة، وهو يتبع السياسة نفسها، والتسلسل التاريخي للاغتصاب كالتالي:
-تشكلت الحركة الصهيونية في نهايات القرن التاسع عشر في أوروبا، وهي حركة سياسية رأسمالية عنصرية، استغلت الدين اليهودي لاستقطاب اليهود من كل الدول، ودُعمّت من الحركة الإمبريالية العالمية ولا تزال.
– عام 1948 تم احتلال الجزء الأكبر من فلسطين، وإقامة دولة اسرائيل، بعد طرد الفلسطينيين بالقوة، ومن خلال مذابح كثيرة وتواطؤ الدول العظمى.
-1967 تم احتلال الجولان السوري وسيناء المصرية وبقية فلسطين بعد الهزيمة، كما احتلت إسرائيل جزء من أراضي الأردن، التي تعتبرها جزء من إسرائيل، وأغرقتها بالمستوطنات والمستعمرات، التي صادرتها من أراضي الضفة الغربية، والآن هناك مشروع لضمها، وتسميها يهودا والسامرة، وهي أسماء ممالك يهودية قامت في فلسطين من 2000 عام ولم تعش طويلا.
-1973 بقي الجولان السوري تحت الاحتلال الصهيوني.
-1978 اجتياح جنوب لبنان والسيطرة على الجنوب من قوات العميل لحد.
-1982 اجتياح لبنان وحصار بيروت ورحيل منظمة التحرير عن لبنان.
-2000 انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان وإنهاء جيش لحد وبقاء مزارع شبعا وكفر شوبا تحت الاحتلال.
– 2018 و 2019 ضم القدس والجولان، والقصف الصهيوني المستمر على الأراض السورية جزء من مخطط الاحتلال الصهيوني.
-2019 عودة الأراضي الأردنية المؤجرة لإسرائيل إلى الأردن، وهي أراضي الباقورة والغمر التي احتلت في عام 1967، وبقيت من الأسرار حتى انكشفت في اتفاقية وادي عربة 1994، وتم تأجيرها لمدة 25 سنة.
-2020 القرار الحالي بضم الأغوار الشمالية، والمستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية.
ومن المفيد العودة إلى صك الانتداب البريطاني على فلسطين، وتعريف حدود فلسطين في الصك، هذه الحدود هي كل الأراضي من البحر إلى النهر حتى حدود العراق، وبذلك يصبح تعريف الصهيونية بناء على وعد بلفور، بأن أرض فلسطين تعني كل ما ورد في صك الانتداب وتعمل على تطبيق هذه الرؤيا، وهم يعتبرون أن ما تم إنجازه هو الجزء الأول من وعد بلفور، والأردن الآن فعليا في مرمى الخطر.
من الواضح إن احتلال الصهاينة لفلسطين جاء على أساس إنهم يرون أن لهم حق تاريخي وإلهي فيها، ويستندون إلى نصوص توراتية ليس لها أساس علمي، بالإضافة إلى أنه غير معروف حتى الآن أين النسخة الصحيحة للتوراة، وحتى التوراة التي يعتمدون عليها مليئة بالقصص التي تتحدث عن معاركهم مع العرب الكنعانين، والتي تعود جذور الشعب الفلسطيني إليهم، بل ويرد بالتوراة إن فلسطين أرض شعب كنعان.
الحركة الصهيونية هي من أوجد الأمة اليهودية، وهذا أيضا خطأ علمي، فالأمم تقوم على أساس عرقي وليس ديني. وهذا هو أساس ادعائهم، أما الحفاظ على أمنهم، فهذه حجة لذر الرماد في العيون، ومن أجل الرأي العام العالمي، فهم يسوّقون أنفسهم بأنهم شعب متحضر ومسالم، يحمل الحضارة الأوروبية في وسط محيط من العرب الهمج المتخلفين الذين يحاولون تدمير هذه البقعة المتحضرة! ودائما المعتدي والمغتصب الإرهابي يصور نفسه ضحية.
يختم الماغوط كلماته قائلا: “كيف أثير نخوة الأمة وغضبها ومخاوفها؟ هل أضع على وجهي قناعا يظهر سنتي (بيغن) الأماميتين المشؤمتين، وأضع عصابة سوداء على عيني مثل (موشي دايان) وأرعب الأطفال في الليل؟ هل أعرض في الساحات صورا شعاعية لما يعتمر في صدور شارون وبيريز من حقد وضغينة على هذه الأمة وما يبيتون لها ولشعوبها من قهر وذل وجوع ودمار؟”.
وبالطبع تعلمت قيادة الصهيونية استبعاد القيادات القبيحة الشكل أمثال (جولدمائير وبيغن)، واستبدلتهم بوجوه الحملان، لكي تُخبأ الذئب في وجه الحمل الوديع، كما هو عليه (نتنياهو).
كتب الماغوط خاتمته تلك عام 1987 قبل أن يرى الذل والقهر والجوع والدمار في أرض العراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان وغيرها.
وللعلم كان عدد الدول العربية قبل عام 48 تسع دول فقط، عندما كانت تسمى سوريا والجزيرة العربية الكبرى، وأصبح عددها الآن 22 دولة، والسبحة مستمرة في الفرط، فهل تريد الأنظمة العربية أن يصبح عددها بعد عشرين سنة أكثر من أربعين دولة؟