يأتي الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة صهيونية لينهي حالة عدم الاستقرار الحكومي في "إسرائيل" الذي استمر ما يقارب 484 يوماً، وكلَّفها 3 عمليات انتخابية، ومبالغ مالية تقارب 470 مليون دولار عن كل عملية انتخابية، ناهيك بالتأخر في إقرار موازنات، ما أعاق تنفيذ العديد من المشاريع الحكوميَّة الاستراتيجيَّة، وخصوصاً خطّة تطوير الجيش "تنوفا".
وباء كورونا، وتأثيراته في المجتمع الصهيوني، وانعكاساته السلبية على الأمن القومي الإسرائيلي، والحاجة الماسّة إلى حكومة يتّحد فيها الكلّ الصهيوني من أجل مواجهة الفيروس، ليست إلا القناع الذي أخفى وراءه بنيامين نتنياهو زعيم حزب "الليكود"، وبيني غانتس زعيم حزب "أبيض أزرق"، وشركاؤهما في الائتلاف، مصالحهم الشخصية والفئوية التي دفعت إلى تشكيل حكومة في هذا التوقيت.
بعيداً من تفاصيل اتفاق الائتلاف الحكومي الذي تمّ التوقيع عليه، فإنَّ خلاصة الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة صهيونية تمثلت في ما يلي:
أولاً، من جهة نتنياهو، فقد حصل على مبتغاه في ضمان مستقبله السياسي وتعزيز موقفه أمام القضاء، من خلال محاصرة قراراته، وخصوصاً المحكمة العليا، بواسطة أمرين مهمين، الأول تعيين تسفي هاوزر سكرتيره السابق واليميني، رغم وجوده في ائتلاف "أبيض أزرق" سابقاً، كمندوب للمعارضة في لجنة تعيين القضاة، بمعنى استمرار كون الأغلبية في اللجنة لليمين، ما يمنح نتنياهو حق الفيتو على تعيين قضاة المحكمة العليا.
الأمر الثاني، أن نتنياهو قطع الطريق على أي قرار للمحكمة العليا باستبعاده من منصب رئيس الوزراء أو حتى من منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء، بحيث إنَّ أي قرار بهذا الخصوص يعني حلّ الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة بحسب الاتفاق الائتلافي.
يمنح اتفاق الحكومة نتنياهو القدرة على الحفاظ على تحالفاته اليمينية وتكتل معسكر اليمين الداعم له، من خلال طمأنة أرئيه درعي، زعيم حزب "شاس" الحريدي الشرقي، المتهم بقضايا فساد، بأنه سيبقى وزيراً، حتى لو تم تقديم لائحة اتهام ضده.
أما بالنسبة إلى المستوطنين اليمينيين، فإن اتفاقه على فرض السيادة على أراضٍ من الضفة الغربية وغور الأردن، بحسب خارطة صفقة القرن، بعد شهرين من تشكيل الحكومة، يداعب أحلام المستوطنين، رغم أن نتنياهو من الممكن أن يستبعد حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت من الحكومة.
على المقلب الآخر، كانت خيارات بيني غانتس شبه معدومة، ومستقبله السياسي على المحك، فاتفاق الحكومة حقَّق له ما يمكن أن ينقذ مستقبله السياسي، لكونه ضَمن أن يصبح رئيساً للوزراء، ولو في أكتوبر/تشرين الأول 2021، الأمر الذي فشل فيه الكثير من قادة المعارضة الإسرائيلية في السنوات العشر الأخيرة.
والأهمّ أنه حافظ على وحدة من بقي من حزبه، من خلال توزيع عدد ليس قليلاً من الحقائب الوزارية على قادة حزبه، حيث من المتوقع أن يصل عدد وزراء الحكومة المقبلة إلى 36 وزيراً، إضافةً إلى 16 نائب وزير.
إذاً، أزالت خلاصة تشكيل حكومة وحدة صهيونية فكرة الإطاحة بنتنياهو من خلال المحكمة العليا، حيث بات ذلك شبه مستحيل من جهة. ومن جهة أخرى، ضمن بيني غانتس أن يصبح لاعباً أساسياً في الحياة السياسية الصهيونية على الأقل طوال فترة بقاء الحكومة بدلاً من التلاشي، بعد أن فشل في قيادة معسكر المعارضة ضد نتنياهو.