Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

نتنياهو للسجن وغانتس للعقاب بلاهاي

وكالات

زهير أندراوس

في إطار تسطيح النقاش وتسخيفه حول مُشاركة عرب الـ48 في الانتخابات للبرلمان الصهيونيّ (الكنيست) من عدمها، يقوم البعض الكثير من الفلسطينيين، الذي كُتِبَ عليهم حمل جواز السفر الإسرائيليّ للبقاء في وطنهم وموطنهم، بشنِّ هجومٍ لاذعٍ وسافرٍ، يصل حدَّ التخوين أحيانًا، ضدّ الفئة التي لا يُستخّف بها، كمًّا وقيمةً من أبناء شعبنا، التي تُقاطِع الانتخابات من مُنطلقاتٍ مبدئيّةٍ-عقائديّةٍ، لأنّها ترى في المُشاركة نوعًا خطيرًا من إضفاء الشرعيّة على الكيان الصهيونيّ، الذي أُقيم على أرض الشعب العربيّ-الفلسطينيّ في نكبة العام 1948 في أخطر جريمةٍ عرفتها البشريّة جمعاء، أوْ بكلماتٍ أخرى الانخراط والتسليم بالمشروع الإمبرياليّ-الرجعيّ- الصهيونيّ، الذي أقام كيان الاحتلال قبل 72 عامًا، وما زال هذا الثلاثي الدنِّس يعمل كلّ ما في وسعه من أجل حماية الأمن القوميّ لإسرائيل، بصفتها ذنب الأفعى، ورأس حربة الإمبرياليّة، وسيِّدة أسياد الرجعيّة العربيّة، علمًا أنّ أمريكا هي رأس الأفعى، كما علّمنا حكيم الثورة، د. جورج حبش.

***

للأسف الشديد، فإنّ الحملة الشرِسة ضدّ مَنْ يُقاطِع انتخابات كنيست الكيان الأخيرة، كما في سابقاتها، كانت مُمولّةً من تنظيماتٍ يهوديّةٍ-أمريكيّةٍ وأخرى مُتغطيّةً بالوطنيّة، باعتبار الأخيرة الملاذ الأخير للأنذال، وهكذا من حيث ندري أوْ لا ندري، دخل الطابور السادس الثقافيّ على الخّط لرفع نسبة التصويت بين فلسطينيي الداخل، ونجحت هذه الحملة بإخراج عرب الـ48 من بيوتهم بهدف الـ”مُشاركة في العملية الديمقراطيّة”، وتمكّنت القائمة المُشتركة (هذا هو اسمها وليس القائمة العربيّة المُشتركة!) من الحصول على 15 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، والأدهى من ذلك، أنّ نُخبًا معينّةً باشرت بالترويج للإنجاز الـ”تاريخيّ” للمُشتركة، أيْ أنّ وصول 15 نائبًا عربيًا من الفلسطينيين للبرلمان الصهيونيّ بات “إنجازًا” تاريخيًا، علمًا أنّهم، أيْ المُنتخَبين، وقبل أنْ يُصبحوا أعضاء كنيست يقومون بحلف يمين الولاء للكيان الذي شردّ شعبهم، وسرق الأرض، وفتت الحجر وانتهك العرض، وما زال يقترِف الجرائم التي يندى لها الجبين ضدّ الأمّة العربيّة على نحوٍ عامٍّ، وضدّ الشعب الفلسطينيّ على نحوٍ خاصٍّ، وعوضًا عن المُطالبة بمُحاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، نقوم نحن أوْ جزءٍ منّا، أبناء الشعب العربيّ الفلسطينيّ بمنحهم الشرعيّة، وهكذا يسير العار عاريًا.

***

وللأسف الشديد فإنّ حملة الانتخابات التي قادتها القائمة (المُشتركة) شدّدّت على أنّ عدم التصويت، أيْ المُقاطعة، هو عمليًا منح الصوت لنتنياهو، ونحن، قال لسان حالهم وما زال، نُريد أنْ نُقصي هذا العنصريّ ومنعه من العودة إلى سُدّة الحكم مرّةً أخرى، بكلماتٍ أخرى، فإنّ هذه الدعاية منحت الغريم، بيني غانتس، صكّ البراءة، وبات هذا العسكريّ الصهيونيّ بمثابة حامي حُماة الأمّة والشعب، وهو الذي قاد حملة (الجرف الصامِد) ضدّ قطاع غزّة في صيف العام 2014 وبـ”فضله” ارتقى الآلاف من الفلسطينيين، من أطفالٍ ونساءٍ ومدنيين عُزّلٍ في إحدى الجرائم الصهيونيّة البشِعة ضدّ شعبنا، ولم تتوقّف (المُشتركة) عند هذا الحدّ من التنازل في سبيل الانخراط بالحياة السياسيّة بالكيان والـ”تأثير” على مجريات الأمور، بل قام جميع أعضاء (المُشتركة)، خلال لقاء وفدها مع رئيس الكيان، روؤفين ريفلين، بالتوصية على المُجرِم غانتس لتشكيل الحكومة، أيْ أنّ الضحيّة تمنح الجلّاد هديةً على جرائمه التي اقترفها، ولكي نضع النقاط على الحروف: بدلاً من أنْ نعمل على محاكمته وفي لاهاي تحديدًا، نُعطيه فرصةً لتشكيل حكومةٍ في كيانٍ قام على أنقاض شعبنا، وهذا الموقف، لا يختلِف البتّة، يتساوق إلى حدٍّ ما مع التنسيق بين السلطة برام الله والاحتلال.

***

وفي هذا السياق لا نُبرّئ (حماس) بالمرّة، فهي الأخرى “تتعاون” بشكلٍ أوْ بآخر مع الاحتلال، هنا يجب أنْ نُبقي الجناح العسكريّ للحركة بعيدًا عن المُستوى السياسيّ، الذي بعلاقاته الدوليّة، مع قطر، تركيّا تبتعِد عن البوصلة والثوابت. نعم أهلنا في قطاع غزّة يذوقون الأمرّين من الحصار الذي تفرضه الدولة العبريّة، بمُساعدة مصر السيسي وقبله مرسي، ولكن الدور القطريّ والتركيّ على حدٍّ سواء يُثير الكثير من الأسئلة والتشكيك في إستراتيجيّة (حماس)، وبالتالي علينا أنْ نسأل عن البدائل: لماذا لا توجد دولاً أخرى في الوطن العربيّ على استعدادٍ لتقديم المُساعدات للفلسطينيين المُحاصرين في قطاع غزّة؟ وهل دور قطر كان ليتِّم دون الضوء الأخضر الأمريكيّ-الإسرائيليّ والذي يهدِف أولاً وأخيرًا إلى ترسيخ الخلاف الداخليّ، الذي بعد مرور أكثر من عقدٍ من الزمن أصبح مُبتذلاً، لارتباط أكبر فصليْن اثنيْن، فتح وحماس، بأجنداتٍ خارجيّةٍ مصلحتها تكمن في تقسيم العرب إلى عربيْن للمُحافظة على الدولة العبريّة، عوضًا عن أنْ تكونا في صفّ البُعد العربيّ لمُواجهة أعداء الشعب الفلسطينيّ.

***

من نوافل القول إنّ النقاش حول المُشاركة بالانتخابات الإسرائيليّة أوْ مُقاطعتها، يجب أنْ يكون عقائديًا وليس ديماغوغيًا ورخيصًا وشعبويًا، يجب أنْ يتركّز حول مشروعية التصويت لجزءٍ من شعبٍ في مرحلة تحررٍ وطنيٍّ لبرمان الكيان الذي يحتلّه، ولذا فإنّ التُرّهات والخُزعبلات بأنّ مُقاطعة الانتخابات تُعيد اليمين إلى السلطة هي بمثابة ذرٌّ للرماد في العيون ومُحاولة بائسة ويائسة للطعن في وطنيّة كلّ مَنْ يُقاطِع الانتخابات، لا نُنكِر بأنّ نتنياهو هو من أشّد غلاة المتطرِّفين والعنصريين، ولكن مُنافسه غانتس لا يقِّل خطورةً وعنصريّةً عنه، ووظيفتنا في الداخل الفلسطينيّ العمل على إقامة برلمانٍ عربيٍّ والتوجّه نحو المجتمع العصاميّ، أيْ الاعتماد على أنفسنا فقط، وليس التأسرل، وتأكيد المؤكَّد: لا يوجد في الكيان ما يُسّمى بالـ”يسار الصهيونيّ”، ذلك أنّ اليسار لا يُمكِن أنْ يتعايش مع حركةٍ عنصريّةٍ وفاشيّةٍ، قامت على إقصاء الآخر وما زالت: اليسار والصهيونيّة يسيران في خطٍّين مُتوازييْن، ولا يُمكِن أنْ يلتقيا أبدًا.