| راسم عبيدات
البعض القيادي الفلسطيني عندما ذهب الى مؤتمر هرتسيليا في تل ابيب، هذا المؤتمر الصهيوني الذي يبحث ويقرر بشأن الأخطار المحدقة بدولة الإحتلال امنية وعسكرية وسياسية واقتصادية وديمغرافية وغيرها، ويرسم الاستراتيجيات لدولة الإحتلال لعشرين او ثلاثين سنة قادمة، شارك في المؤتمر والقى خطابا من على منصته، واعتبر ذلك « اشتباكا» سياسياً في عقر مربع الإحتلال الأمني والاستراتيجي . وانا قلت بشكل واضح بأن ذلك شكل ويشكل عمى وحولا سياسياً بامتياز، وتعبير عن حالة هرولة وتطبيع مشرعنة، ليس لها علاقة لا بالاشتباك السياسي ولا العسكري. وقلنا بان مثل هذا التطبيع والحضور غير المبرر من شأنه ان يفتح الباب على مصراعيه، لمن ينتظرون من المنهارين العرب في قيادة النظام الرسمي العربي المتعفن هذه الفرصة، لكي يخرجوا علاقاتهم التطبيعية مع دولة الإحتلال من السرية الى العلنية والشرعنة. وبالتالي يبررون خطواتهم وتصرفاتهم تلك بالقول « لن نكون ملكيين اكثر من الملك»، ولعل وزير خارجية المغرب إلتقط هذه الفرصة، من أجل تبرير التطبيع مع دولة الإحتلال بالقول» لن نكون فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين انفسهم.
علينا القول أنه من بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» واستدخال المغدور السادات لثقافة الهزيمة والتطبيع، بقيت العلاقات التطبيعية ما بين دول النظام الرسمي العربي ودولة الإحتلال في إطارها الرسمي للدول التي وقعت اتفاقيات « سلام» مع دولة الإحتلال، في حين بقيت الحالة الشعبية والجماهيرية متماسكة ورافضة للتطبيع، ولم تجرؤ دول النظام الرسمي العربي على اخراج علاقاتها التطبيعية مع دولة الإحتلال من السر الى العلن ....ولكن مع قدوم السلطة الفلسطينية التي أفرزتها اتفاقيات اوسلو الكارثية، زادت وتائر التطبيع ما بين دول النظام الرسمي العربي ..وبدأت اللقاءات والزيارات والمشاريع التطبيعية تأخذ أشكال لقاءات رياضية وفنية واقتصادية وعلمية وغيرها ...وكذلك السلطة الفلسطينية التي نتجت عن اوسلو وشكلت ما يسمى بلجنة الحوار والتواصل مع المجتمع الإسرائيلي وخصصت لها ميزانية ضخمة من المنظمة، عززت من علاقاتها التطبيعية مع قوى وأحزاب ولجان اسرائيلية، وبررت اللقاءات التطبيعية التي أقدمت عليها على أنها تأتي في إطار التأثير على المجتمع الإسرائيلي من اجل تعزيز ما يسمى بثقافة السلام والإعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني....وفي ظل مجتمع صهيوني يميني متطرف يشهد انزياحات كبيرة نحو العنصرية والتطرف واليمين بشقيه الديني والعلماني منذ عام 1996، فإن المردود والناتج لهذه اللجنة ،لم يحدث أي اختراقات جدية او حتى محدودة في المجتمع الإسرائيلي، وليكون نتاجها تطويع العقلين العربي والفلسطيني لشرعنة وترسيم التطبيع مع دولة الإحتلال.
التغيرات الكبيرة والعاصفة التي حصلت في بنية ودور ووظيفة ومهام النظام الرسمي العربي بإنتقالة من نظام عربي قاد النضال القومي والوطني العربي والفلسطيني، ورفع شعارات كبيرة من طراز « ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» و» لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بدولة الإحتلال»، الى نظام يستجدي العلاقات التطبيعية مع دولة الإحتلال من اجل الحفاظ على عروشه ومصالحه ،ومع وصول الإدارة الأمريكية اليمينية المتصهينة الى الحكم في امريكا في أوائل عام 2017،ونجاحها في تحويل أسس الصراع العربي- الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية الى صراع مذهبي إسلامي- إسلامي ( سني – شيعي)،تمثل في خلق أمريكا لعدو افتراضي هو ايران، الذي يهدد امن دول النظام الرسمي العربي وعروشها، ويشكل خطراً على مصالحها ودورها في المنطقة.. وهذا جعل «قطار» التطبيع ينطلق بشكل علني ما بين العديد من دول النظام الرسمي العربي ودولة الإحتلال، وقد بدا ذلك عبر زيارات وفود صحفية واعلامية لدولة الإحتلال، واخرى متسترة بالدين، حوار اديان وما شابه ذلك، وقيادات أمنية ومخابراتية، وبالمقابل كانت الزيارات التطبيعية من «اسرائيل» الى العديد من المشيخات الخليجية تتكثف عبر وفود رياضية وتجارية واقتصادية، وجرت العديد من اللقاءات الرسمية على هامش مؤتمرات دولية ،ولكن مع بداية الترجمة العملية لصفقة القرن الأمريكية، صفعة العصر لتصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها، وجدنا بان تلك العلاقات التطبيعية بأتت أكثر جرأة وعلانية، حيث عقد أكثر من لقاء رسمي ضم مسؤوليين من دول خليجية وقادة دولة الإحتلال، بما فيها لقاء عقد ما بين رئيس وزراء الإحتلال نتنياهو والراحل قابوس في مسقط، في تشرين أول /2018،وليتبع ذلك عقد ما سمي بورشة البحرين الاقتصادية في المنامة في البحرين 24 و25 /6 /2019، والمخصصة لتنفيذ ما عرف بالشق الاقتصادي لصفقة القرن الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها، ومن بعد ذلك توالت اللقاءات التطبيعية العربية- الإسرائيلية، وأصبحت تجري بدون خجل او خوف، ولنجد تعبيراتها الصارخة عندما تم الإعلان عن الشق السياسي لصفقة القرن الأمريكية في واشنطن يوم الأربعاء 28/1/2020 ، حيث حضر الإعلان الى جانب الرئيس الأمريكي المتصهين ترامب ورئيس وزراء دولة الإحتلال نتنياهو، ثلاثة سفراء عرب، هم سفراء البحرين والإمارات العربية وعُمان، وكذلك أيدت كل من مصر والسعودية كقيادة ظل لشرعنة التطبيع العربي مع دولة الإحتلال، الجهود الأمريكية لصنع « السلام» في المنطقة، في إشارة قوية الى وقوفها الى جانب صفقة القرن الأمريكية، ولكي يصل التطبيع العربي الى حالة من السفور والفجور، عندما عقد رئيس وزراء الإحتلال نتنياهو لقاء تطبيعياً مع ما سمي برئيس المجلس الإنتقالي السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان في عنتيبه الأوغندية بترتيب من الإمارات العربية، والهدف منه تطبيع العلاقات بين البلدين، وبما يسمح للطيران المدني الإسرائيلي باستخدام الأجواء السودانية للطيران الى أمريكا اللاتينية، بما يختصر الوقت والمسافة، وكذلك العمل على تبادل السفراء ومنع عودة علاقات السودان مع ايران وفتح الحدود مع الجنوب السوداني، في حين برر هذه الخطوة رئيس المجلس العسكري السوداني، والتي قال بأنه استخار الله فيها، من اجل إنقاذ السودان من عزلته الدولية، وتحقيق مصالحه الأمنية والاقتصادية وشطبه عن لائحة الإرهاب الأمريكي، ولم يتوقف قطار التطبيع العربي هنا، حيث المغرب اشترت أسلحة من دولة الإحتلال بقيمة 48 مليون دولار، وتمهد لإقامة علاقات تطبيعية علنية مع « اسرائيل»، وجهود كبيرة بذلتها وتبذلها امريكا من اجل عقد قمة تطبيعية في مصر يحضرها الى جانب أمريكا و» اسرائيل» كل من السعودية والإمارات العربية والبحرين والسودان وربما المغرب.
هذا القطار التطبيعي العربي السائر بسرعة كبيرة، هو نتاج لحالة فلسطينية متشظية ومنقسمة على نفسها، وحالة عربية في رأس هرمها القيادي منهارة ومتعفنة، وغير مالكة لإرادتها وقرارها السياسي، ولعل تسارع وتائر التطبيع العربي، هو نتاج لسلطة وقيادة فلسطينية شرعت أبواب التطبيع مع دولة الإحتلال، واوجدت لها لجاناً ومؤسسات أسمتها بالحوار والتواصل مع المجتمع الإسرائيلي، وتلك السلطة والقيادة، شكلت «بلدوزر» التطبيع، وهي من فتحت الباب على مصراعيه للمطبعين من داخلها وخارجها للتطبيع مع القوى الإسرائيلية في سبيل خدمة اهداف ومشاريع ومصالح خاصة تغلف بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، فكل المشاركين في اللقاء التطبيعي المسمى ببرلمان «السلام» أول امس الجمعة، خرجوا من رحم سلطة اوسلو ....والكل يدرك بأن ما يسمى باليسار في دولة الإحتلال ذاهب نحو الإندثار ... ولا يملك أي تأثير على صناع القرار ولا حتى داخل المجتمع الإسرائيلي، في ظل مجتمع جانح نحو العنصرية والتطرف ... ولذلك هؤلاء ممن يسمون أنفسهم ببرلمان السلام ...هم من يشجعون ويفتحون ليس نوافذ، بل أبواب التطبيع امام المنهارين العرب من النظام الرسمي العربي ،لكي يفجروا في تطبيعهم وأخرهم الفاجر البرهان السوداني.
نعم الكثير من القيادات الرسمية العربية، ستقول بشكل واضح بأن التطبيع ليس حلال على الفلسطينيين، أصحاب القضية وأبناء الولد وحرام علينا، وطبعاً هذه كلمة حق يراد بها باطل، والفريق الذي حضر اللقاء التطبيعي المسمى ببرلمان السلام، كله قادم من رحم السلطة وزراء سابقين ورؤساء بلديات وصحفيين وغيرهم، ويبدو بأن من يستخيرون الله في تطبيع علاقاتهم مع دولة الإحتلال من الفلسطينيين سيكونون أكثر من العربان، ولذلك يجب ان تكون المواقف الفلسطينية فصائلية وشعبية ومؤسساتية واضحة وصريحة، بأن هذه اللقاءات التطبيعية مدانة ومرفوضة، وهي ليست كما هو التطبيع العربي الرسمي، طعنة غادرة في ظهر شعبنا وقضيتنا الفلسطينية، بل هو طعنة عميقة في الصدر الفلسطيني.