الدكتور بهيج سكاكيني
العمليات الاخيرة التي قام بها الشبان في فلسطين المحتلة سواء في القدس وباقي مناطق الضفة الغربية والتي تم فيها إصابة حوالي 14 جنديا من جنود الكيان الصهيوني تحمل في طياتها دلالات كبيرة ورمزية عالية وخاصة في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها القضية الفلسطينية والتي باتت تهدد التواجد الفلسطيني في ارضه وتصفية القضية أو هكذا يعتقدون بما سمي بصفقة القرن الصهيو-أمريكية.
ولعل ابرز ما يلفت النظر ان هذه العمليات أتت ضمن مناخ عربي رسمي ليس متخاذلا فقط بل اصبح متآمرا وبشكل علني وفاضح كما توضح من مواقف بعض الدول الخليجية وخاصة الامارات والبحرين التي حضر وزراء خارجيتهما الاحتفال الخاص بإعلان بنود صفقة القرن في واشنطن من قبل الرئيس ترامب. والسعودية لم تكن حقيقة بعيدة عن هذه المراسيم الاحتفالية والتأييد لهذه الصفقة فهي قد قامت بإرسال أداتها البحرين ممثلة عنها. كما انه قد دار سابقا الحديث على ان السعودية هي من سيقوم بتقديم وبشكل رئيسي المليارات اللازمة لتمويل “السلطة” الفلسطينية لتقوم بمشاريع إقتصادية في الضفة الغربية ( أو ما سيتبقى منها) لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني وتقليل معدلات البطالة …الخ ضمن مشروع السلام الاقتصادي الذي نادى به مجرم قانا شمعون بيرس.
وهرولة النظام العربي الرسمي أيضا إتضح مؤخرا من البيان الختامي لجامعة الدول العربية والنقاشات التي دارت أثناء إنعقاد الاجتماع في مقرها في القاهرة الذي حضره وزراء الخارجية العرب والذي لم يتخذ او يقرر إتخاذ اية الية فعلية على الارض للتصدي لصفقة القرن. وقد تلى الاجتماع مباشرة إجتماع الرئيس السوداني برهان مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني في أوغندا بترتيب من قبل دولة الامارات التي على ما يبدو ومنذ أكثر من عام بدأت تتصدر توجيه البوصلة للنظام العربي الرسمي بدلا من السعودية التي انيط بها ان تكون فقط البقرة الحلوب من قبل البيت الابيض. وربما عدم ظهور “نجم” الادارة الامريكية والاعلام الامريكي محمد بن سلمان على وسائل الاعلام كما في السابق دليل على هذا.
والان يدور الحديث عن إمكانية إنضمام المغرب الى جوقة التطبيع العربي الرسمي والعلني مع الكيان الصهيوني تحت ما سمي بصفقة ثلاثية بين الكيان الصهيوني والمغرب والولايات المتحدة يتم فيها إعتراف الادارة الامريكية بسيادة المغرب على الصحراء المغربية وبالتالي الغاء عقود من نضال جبهة البوليساريو في تحقيق حق تقرير المصير لسكان الصحراء المغربية وذلك في مقابل ان يقوم المغرب بتطبيع العلاقات رسميا مع الكيان الصهيوني.
ولا يفوتنا ايضا التنويه هنا انها تأتي ايضا ضمن تفاخر الرئيس الفلسطيني أبو مازن مؤخرا بأنه قدم لنتنياهو ومن خلال التنسيق الامني (الذي ما زال قائما للان منذ إتفاقية اوسلو المشؤومة) معلومات أمنية لم يكن نتنياهو او غيره يحلم بها والتي كان من شأنها الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني. هذا الى جانب تصريحه المخزي وخاصة في هذه المرحلة بالقول ” اننا رضينا بالهم ولكن الهم لم يرضى بنا” بالاشارة انه رضي بالتنازل عن الاراضي الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني والاكتفاء بما يقارب 20% من اراضي فلسطين التاريخية إن لم يكن أقل من ذلك.
هذه العمليات أتت ضمن هذا الواقع العربي المذل والمخزي والمتشرذم والمنقسم على نفسه والذي ينحى فيه البعض بمنحى تدمير الذات والقدرات العربية. لقد ظن ترامب وزبانيته وكذلك بعض العربان ان الظروف اصبحت مواتية للاعلان عن صفقة القرن والضغط على الطرف الفلسطيني للقبول بها وخاصة وأن الجزء الخاص بالنظام العربي الرسمي وموقفه من الصراع مع الكيان الصهيوني قد طبق وحسم بالتطبيع مع العدو الصهيوني وحرف بوصلة الصراع في المنطقة بحيث أصبحت إيران هي العدو الاساسي لهذه الانظمة وليس الكيان الصهيوني. ليس هذا وحسب بل إن هذه الدول تقوم على إنشاء حلف في المنطقة على غرار حلف الناتو يكون الكيان الصهيوني هو جزء من هذا الحلف للوقوف ضد إيران وضد محور المقاومة كا تشير الممارسات والسياسات على الارض في هذه المرحلة.
الجميع يدرك ان صفقة القرن لا يمكن ان تمرر دون القبول بها فلسطينيا وأعني هنا الشعب الفلسطيني وليس بالضرورة القيادة الفلسطينية الحالية التي ما زالت تمسك بزمام الامور وبشكل إنفرادي وإستئثار بالسلطة والقرار الفلسطيني دون مشاركة حقيقية من قبل منظمة التحرير الفلسطينية التي همش دورها منذ اتفاقية اوسلو الى جانب الفصائل الفلسطينية وبقية المؤسسات الرسمية الفلسطينية والشخصيات الوطنية.
الاحداث الاخيرة في فلسطين المحتلة تضع السلطة الفلسطينية وقيادتها اما خيارين لا ثالث بينهما إما الابقاء على التنسيق الامني مع العدو الصهيوني وخيانة شعبها ومحاولة منع تمدد المقاومة الشعبية المسلحة والسلمية في الضفة الغربية وبالتالي الانضمام الى النظام العربي الرسمي, أو قطع التنسيق الامني بالكامل دون رجعة ومحاولة كبح جماح هذه المقاومة. فأي خيار ستتخذه هذه السلطة؟ وهل ستستجيب أجهزة الامن الفلسطيني لخيار الشعب الفلسطيني؟