إعلان الخارجية الأميركية أن واشنطن ليست بصدد الإعلان عن مبادرة جديدة في الشرق الأوسط، وأن الوزير جون كيري لديه ملفات أهم من الملف الفلسطيني / الإسرائيلي، وتحديداً ملفي جنوب السودان وأوكرانيا، "يحرر" ولو بشكل مؤقت الملف الداخلي من الضغوط الخارجية،
ويتيح فرصة للفصائل والقوى الفلسطينية أن تسير قدما في ترتيب البيت الداخلي، كذلك في جمع الأوراق والتحضير لمواجهة قادمة مع الإسرائيليين، إن لم يكن على نطاق واسع، وبشكل فيه مستوى من العنف، فعلى شكل الفعل ورد الفعل، أي كلما أقدمت إسرائيل على تصعيد ميداني خاص بالقدس أو الاستيطان او الأسرى، يقوم الجانب الفلسطيني بالرد فوراً، إن كان على صعيد المنظمات الدولية، او ميدانياً بالتظاهر والاحتجاج.
الآن، وبعد مرور أكثر من شهر على إعلان الشاطئ، ومع ما يبدو أنه كان توافقاً أو حتى اتفاقا بين طرفي الإعلان، على أن يبدأ العد التنازلي لحكومة التوافق الثنائي، منذ ذلك اليوم، أي منذ الثالث والعشرين من نيسان الماضي، رغم عدم وجود فراغ حكومي، حيث لم تعلن حكومتا الانقسام استقالتهما، لا أحد يدري بالضبط إن كان الرئيس سيعلن تشكيلته الحكومية قبل انتهاء فترة الخمسة أسابيع، ام انه سيتجاوزها، وإن فعل _ أي إن تجاوزها _ سيجد الطرفان مخرجا في أسبوعين إضافيين، أم أنهما سيعلنان شيئاً ما، ثم السؤال هو، إن كان الطرفان قد أعلنا، انهما تبادلا الأسماء المقترحة لحكومة مقلصة، وان التحديد النهائي ترك للرئيس ليختار من جملة القائمة المشكلة من مقترحات من قبل "حماس" و"فتح"، أي انه ليست هناك من مشكلة، مهما بدت صغيرة او هامشية لإعلان الحكومة، وبعد ان جمع الرئيس كل الأطر من المجلس المركزي للمجلس الثوري، فلم لم يعلن حكومة التوافق حتى اللحظة.
ربما كانت القيادة الفلسطينية، تمضي الوقت في احتواء ردود الفعل الدولية، ومحاولة تأمين الدعم السياسي والمالي العربي لها، حتى لا تقابل بمثل ما قوبلت به الحكومتان العاشرة والحادية عشرة _ وإن كان هذا مستبعداً جداً _ لعدة أسباب، أولها واهمها : إن رئيس الحكومة لن يكون القائد الحمساوي، إسماعيل هنية الذي كان رئيس الحكومتين العاشرة، الحمساوية الصرفة، والحادية عشرة _ حكومة الوحدة الوطنية التي نجمت عن اتفاق مكة، كذلك لن تضم أحدا من قيادات او منتسبي الفصائل، بما يعني أنها لن تضم احدا من "حماس"، المنظمة التي ما زالت الولايات المتحدة، وطبعا إسرائيل تعتبرها منظمة إرهابية.
بذلك يمكن القول باطمئنان إن حكومة التوافق بين "حماس" و"فتح"، قد صارت باليد، وان خطوة أساسية على طريق المصالحة وإنهاء الانقسام قد تمت، وقد لا نبالغ لو قلنا _ بان إعلان الشاطئ، رغم الظروف العديدة التي أحاطت به، وسبقته، ودفعت إليه، إلا أن إضراب الأسرى الإداريين، كان أحد العوامل التي ساهمت بالدفع على طريق المصالحة الوطنية، تماماً، كما بدأت خطوات طريق المصالحة الطويل والشاق بإعلان وثيقة الأسرى _ وثيقة الوفاق الوطني، التي حددت الأسس والإطار السياسي العام للوحدة الوطنية، على اساس برنامج وطني وقواسم سياسية مشتركة، فإن مواصلة طريق الكفاح المباشر بين السجان الإسرائيلي والأسرى الفلسطينيين، هو أهم وأول ضمانة، ليس فقط لنجاح ودعم حكومة التوافق، بل للاستمرار على طريق الوحدة الداخلية، التي تكون، كما جرب الفلسطينيون ذلك طوال عقود مضت، على طريق الكفاح الوطني، كما كانت تجربة "م ت ف"، أو لا تكون، فالفلسطينيون، لا يختلفون في السير على طريق مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن يختلفون، حين تتم المقابلة أو حتى المفاضلة غير العادلة ولا المنطقية بين خيارات المقاومة والمفاوضات _ حيث أن المنطق يقول بجمع، بشكل خلاق، كل الأدوات والطرق والوسائل _ بل ويتصارعون على السلطة الوهمية، والتي هي إما سلطة حكم ذاتي، تحت سيف وإدارة الاحتلال، او سلطة محاصرة، على جزء صغير ومعزول من الوطن الفلسطيني.
آن الأوان، لأن يتعلم الفلسطينيون الدرس جيدا، بعد أن خاضوا طريقا طويلة وشاقة في الكفاح الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي، هذا الدرس مفاده، انه لا بديل عن الوحدة الوطنية، وان الوحدة الوطنية تكون في جبهة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وان هناك ملفات توحد ولا تفرق، في مقدمتها : ملف الأسرى، الذين دخلوا منذ نحو شهر في إضراب مفتوح عن الطعام، بدأه المعتقلون الإداريون ضد سياسة الاعتقال الإداري المنافية لاتفاقيات جنيف، وحيث انه انضم اليهم أسرى " هداريم " يتقدمهم الأمين العام للجبهة الشعبية الرفيق أحمد سعدات، والقائد الفتحاوي الأخ مروان البرغوثي، فإنه لا بد من أن تندفع الجماهير الشعبية بدءا من اليوم في ايام غضب متواصلة، تشمل كل مدن الضفة وغزة والشتات، حتى يكون الاحتلال أمام خيارين لا ثالث لهما : إما الرضوخ لمطالب الأسرى الإداريين، او مواجهة كل الشعب الفلسطيني، وهذا هو أهم درس يمكن أن يردع الاحتلال الإسرائيلي ويفرض عليه بدء العد العكسي لتعنته واحتلاله، وهو ان زمان مواجهة الفلسطينيين متفرقين أو مشتتين قد انتهى، وأنه، لن يواجه اليوم : "فتح"، او "حماس"، الأسرى، القدس، غزة، نابلس، الخليل او جنين، منفردة أو وحدها، بل حين يقدم على فتح النار على أي أحد او أي جزء فلسطيني او من فلسطين، فإنه سيجد الكل الفلسطيني يقف في وجهه.