د.فايز رشيد
زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للكيان الصهيوني حملت مضامين تأييد كبير من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة لهذا الكيان وكل سياسته وعدوانيته. أما زيارته لمناطق السلطة الفلسطينية التي استغرفت ساعتين ليس إلا! فهي بمثابة «رفع عتب» من أجل إضفاء نوع من توازن مفقود في زيارتيه. إن زيارة ترامب غير المسبوقة إلى حائط البراق بالمسجد الأقصى المبارك كأول رئيس أمريكي أثناء وجوده في منصبه تحمل دلالة خطيرة وتشي «بتأكيد مزاعم الاحتلال الصهيوني بالسيادة على القدس المحتلة».
لقد توجه ترامب إلى حائط البراق «كمقدس يهودي» وليس فلسطينياً، وذلك خلافاً لتصريح البيت الأبيض السابق عن الحائط! لقد قام ترامب بأداء الصلاة وارتداء «القلنسوة»- الكيباه - غير الإلزامية بروتوكولياً ووضع اليد على الحائط ودس قصاصة تمنياته بين شقوقه، وذلك كله وفق الطقوس اليهودية. إن اعتماد هذه الطقوس منه ومن زوجته وابنته التي شوهدت تبكي في القسم المخصص للسيدات على الحائط والتي سبق اعتناقها لليهودية بعد اقترانها باليهودي جاريد كوشنيرالذي سبق وأن تبرعت عائلته بأموال ضخمة للتوسع الاستيطاني الصهيوني في الأراضي المحتلة. فيما ارتدى كلاهما القلنسوة اليهودية التي يرتديها اليهود المتدينون ومنهم «الحريديم» وهم الأشد غلواً وتطرفاً ضد شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.
من ناحية أخرى، مازال الكيان يعيش حالة من الارتياح بعد زيارة ترامب، إنْ من حيث الحديث حول أهمية استغلال «إسرائيل» لهذا التأييد الأمريكي لضم الضفة الغربية نهائياً إليها، كما هضبة الجولان العربيّة السوريّة. لقد أكد نتنياهو في حديثه مع الصحفيين في الكيان بعد اجتماعه مع ترامب أنه طلب من الرئيس الأمريكي العمل على إقناع المجتمع الدولي بضرورة الاعتراف بضمّ الجولان المُحتل منذ العام 1967 إلى السيادة الصهيونية. أيضاً رحّب اليمين الأكثر تطرفاً في الكيان بزيارة ترامب، إذ يعتقد هذا التيار أن مجيء ترامب إلى الكيان يؤذن بانطلاق حقبة جديدة من التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية والضفة الغربية. للعلم ليس فريدمان (السفير الأمريكي المعين في دولة الكيان) هو المؤيد الوحيد لإقامة المستوطنات في القدس والضفة الغربية في الإدارة الأمريكية الجديدة، فصهر ترامب وحافظ أسراره جاريد كوشنير (وهو الشخص الذي يقول ترامب إن بإمكانه تحقيق اتفاق للسلام بين الكيان والفلسطينيين) هو الآخر من المؤيدين الأقوياء لحركة الاستيطان.
أما عن زيارة ترامب لبيت لحم وكلامه في اللقاء الصحفي المشترك مع رئيس السلطة محمود عباس ، فهو لم يذكر قضية الاحتلال، ولم يُشر من قريب أو بعيد للاستيطان، والذي ازداد خلال ولايته القصيرة بنسبة 37%، أسوة بغياب الحديث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، ولم يشر إلى حل الدولتين، بل تحدث في العموميات وكأنه لم يتحدث شيئاً.
الواهمون بحل الدولتين، فإن الأساس المادي لهذا الحل قد جرى إفشاله باستيلاء الكيان عل ما يقارب ال 70% من أراضي الضفة الغربية (استيطان وطرق التفافية وجدار)، وما تبقى من أراضي القدس هو 13% فقط، الأمر الذي يحوّل عملياً كل المناطق الفلسطينية المتبقية إلى «كانتونات» معزولة ومنفصلة عن بعضها بعضاً. إن زيارة ترامب للقدس المحتلة جاءت ضمن سياق إملاءات السياسة الصهيونية والادعاءات اليهودية بالأقصى بما في ذلك حائط البراق، خلافاً للقرارات الدولية ولقرار منظمة «اليونسكو» الذي أكد عروبة المسجد الأقصى والقدس، وأن لا أثر لليهود فيه.
يلفت النظر فرقة من الكشافة الأرثوذكسية العربية في القدس المحتلة التي استقبلت ترامب (وهي التي كانت معنية باستقباله عند زيارته لكنيسة القيامة) وقد طلبت منها قوات الاحتلال تبديل زيها الذي يحمل العلم الفلسطيني، الأمر الذي جرى رفضه بالاعتذار عن أداء المهمة.
أيها المراهنون على جنوح هذا الكيان الفاشي يوماً للسلام، هل فعلاً تنتظرون منه إعطاءكم دولة والانسحاب من القدس الشرقية؟!