هناك عوائق داخل تكتل الليكود وحلفائه من الأحزاب التوراتية، وعوائق داخل تكتل «الوسط - اليسار» الذي يقوده غانتس لتشكيل حكومة تحالف
يعيش بنيامين نتنياهو رئيس حكومة كيان الاحتلال «الإسرائيلي» أسوأ أيامه على الإطلاق بعد أن جاءت نتائج جولة الانتخابات العامة التي جرت يوم الثلاثاء قبل الماضي (17/9/2019) مخيّبة لآماله، وربما لأمله الوحيد وهو أن يحقق انتصاراً انتخابياً قوياً يمكّنه من تشكيل حكومة قوية ذات أغلبية مريحة، وأن يوظف هذه الأغلبية داخل الكنيست (البرلمان) لإصدار القانون الذي يريده لإنقاذ نفسه من المحاكمة القضائية واحتمال قضاء باقي أيام حياته داخل السجن. هذا الهدف هو الذي دفعه للإقدام على خطوة غير مسبوقة للهروب من نتائج الانتخابات السابقة التي كانت قد جرت يوم التاسع من إبريل/ نيسان الماضي حيث لم يستطع نتنياهو، وفق نتائج هذه الانتخابات تشكيل الحكومة بعد أن كلفه الرئيس «الإسرائيلي» رؤوبين ريفلين بتشكيلها باعتباره صاحب أعلى الأصوات في الانتخابات.
كان من الممكن لأحد قياديي حزب الليكود أن يكلف بمهمة تشكيل الحكومة لكن أنانية نتنياهو دفعته إلى رفض هذا الاحتمال وإحباطه واللجوء إلى خيار حل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة لعلها تأتي بما لم تأت به الانتخابات السابقة من نتائج يأملها نتنياهو.
الآن، وبعد حسم نتائج انتخابات السابع عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، وبعد قيام الأحزاب والكتل بتقديم توصياتها إلى رئيس الكيان لترشيح من يراه لرئاسة الحكومة الجديدة، استطاع نتنياهو أن يكون صاحب الحظ الأوفر بعد أن حدث أول انشقاق في موقف «القائمة العربية المشتركة» ورفض «التجمع الوطني الديمقراطي» الامتثال لقرار القائمة بالتوصية لمصلحة بيني غانتس زعيم حزب (أزرق- أبيض) بتشكيل الحكومة، باعتبار أنه «من المعيب دعم شخص مثل غانتس بتشكيل الحكومة وهو الذي لا يقل عداء وعدوانية للشعب الفلسطيني عن نتنياهو»، ومن ثم لم يدعم غانتس غير عشرة أصوات من إجمالي ثلاثة عشر، هي كل عدد نواب القائمة العربية المشتركة ما جعل نتنياهو يتفوق على غانتس بصوت واحد (حصل نتنياهو على 55 صوتاً مقابل 54 لصالح غانتس). لكن عدد ال 55 صوتاً هذه لا تكفي لتشكيل حكومة، فالحد الأدنى المطلوب هو 61 صوتاً من إجمالي عدد أعضاء الكنيست ال 120، ما يعني أن نتنياهو سيجد نفسه في متاهة تشكيل الحكومة في ظل امتناع أفيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنو» (إسرائيل بيتنا) عن دعمه بأصواته الثمانية وسيكون عليه إما القبول بتشكيل حكومة وحدة مع «حزب أزرق- أبيض»، وإما إعاقة تمكين بيني غانتس من تشكيل حكومة بديلة والدفع بخيار إجراء انتخابات ثالثة ربما يكون موعدها المقرر في فبراير/ شباط القادم، وربما يكون هذا الخيار هو الخيار المفضل لنتنياهو على أمل أن يحقق مكاسب كبرى إذا قام بعدوان على غزة أو لبنان، أو على أمل أن تحدث تغييرات في النتائج والتحالفات الانتخابية يتم توظيفها لصالحه.
خيار اللجوء إلى إجراء انتخابات ثالثة يرفضه بالمطلق رئيس الكيان رؤوبين ريفلين، ويرفضه أيضاً غانتس الذي يرى أن في مقدوره الآن أن يكون على رأس حكومة «إسرائيلية» إذا غير ليبرمان موقفه وقبل بالتحالف معه بدلاً من شروطه الخاصة بتشكيل حكومة خالية من الأحزاب الدينية المتطرفة (الحريديم) وأن تلتزم بالمصادقة على قانون تجنيد طلاب المعاهد الدينية الذي كان سبب إعاقة تحالف ليبرمان مع نتنياهو عقب انتخابات إبريل/ نيسان الماضي، إضافة إلى إقرار الزواج المدني، وفرض تعليم العلوم واللغات على المدارس والمعاهد الدينية، وإتاحة مواصلات النقل العام وفتح المصالح التجارية أيام السبت. هناك خيار آخر لدى غانتس هو التحالف مع الليكود من دون نتنياهو.
نتنياهو الذي يدرك هذا كله، والذي يحرص على عمل أي شيء يمنع تقديمه للمحاكمة ودخول السجن، وسيسعى في الأيام المقبلة للتأسيس لتحالف انتخابي مع «حزب أزرق - أبيض» بزعامة غانتس يتم خلاله تبادل رئاسة الحكومة بينه وغانتس شرط أن يتولى نتنياهو الرئاسة أول عامين من الأعوام الأربعة المقررة للحكومة كي يستطيع تحصين نفسه من الإدانة الجنائية.
يبقى السؤال المهم هنا هو: هل سيقبل بغانتس أن يكون الشخص الذي سيتحمل مسؤولية إنقاذ نتنياهو من مصيره الأسود داخل السجون؟
السؤال مهم في ظل عقبتين مهمتين قد تحولان دون نجاح مسعى نتنياهو لعقد صفقة مع غانتس تمكنه من ترؤس الحكومة الجديدة. العقبة الأولى هي إعلان نتنياهو، في اجتماع عقد بمكتبه مع قادة تكتل معسكر اليمين، التزامه بالحفاظ على كتلة واحدة بقيادته، أي أنه ملتزم وكذلك قادة الأحزاب اليمينية أن يبقوا كتلة واحدة غير قابلة للتقسيم بعد إعلان نتائج الانتخابات وأثناء تشكيل الحكومة، أما العقبة الثانية فهي مرتبطة عضوياً بالعقبة الأولى وتتعلق بتمسك حلفاء حزب غانتس بعدم الدخول في أية شراكة حكم مع أي من الأحزاب الدينية حليفة نتنياهو، بل هناك من يرفض من حلفاء غانتس أي شراكة بالمطلق مع نتنياهو والليكود وحتى لو تخلى عن التزاماته مع تلك الأحزاب الدينية.
عوائق داخل تكتل الليكود وحلفائه من الأحزاب التوراتية، وعوائق داخل تكتل «الوسط - اليسار» الذي يقوده غانتس لتشكيل حكومة تحالف الأمر الذي من شأنه أن يغلق كل الفرص أمام نتنياهو ويحول دون تمكينه من أن يلعب بآخر أوراقه.