رحّب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله باتفاق المصالحة وبأي خطوة تخدم القضية الفلسطينية داعياً في الوقت نفسه إلى الإبتعاد عن المبالغة في التوقعات لأنه جرى الإلتفاف على العقبات من دون تذليلها، مؤكداً ضرورة الحفاظ على الثوابت الفلسطينية.
وخلال مقابلة مع صحيفة «الحياة» اللندنية، أكد د.رمضان أن حركة الجهاد لن تشارك في الإنتخابات لكنها مستعدة لدخول منظمة التحرير الفلسطينية على أسس سياسية وتنظيمية جديدة "نحن في الجهاد نبدي استعداداً لدخول المنظمة على أسس سياسية وتنظيمية جديدة، ومئة خط تحت سياسية. كل اللقاءات التي جرت لبحث موضوع المنظمة تهربت من العنوان السياسي، وهذا الهروب برأينا سيفجر مشكلة أكبر من تلك التي حدثت بين حماس وفتح على السلطة، وحدث الانقسام بسبب دخول الجميع الانتخابات مع احتفاظ كل طرف ببرنامجه".
وفيما يتعلق بالثوابت الفلسطينية قال: "للأسف، لم يعد هناك إجماع على الثوابت في الساحة الفلسطينية. كل فصيل وكل طرف له ثوابته. لكن هناك خطوطاً حمراً يجب أن لا يتجاوزها الجميع. بالنسبة إلينا، ثوابتنا معروفة هي أن كل فلسطين أرضنا والعمل على تحريرها بالمقاومة حق مشروع. بالنسبة إلى منظمة التحرير برنامجها هو دولة في حدود 1967 من طريق المفاوضات. القاسم المشترك في هذه الحالة أن لا تؤدي أي خطوة إلى تكريس واقع الاحتلال، أو تفتح الباب لمزيد من التنازلات، أو تلغي المقاومة أو تسحب سلاحها الذي هو خط أحمر بالنسبة لنا". وفي هذا السياق أضاف بأن هناك قلق على سلاح المقاومة: نحن "قلقون، على رغم أننا سمعنا تطمينات من الطرفين من أن لا مساس بالمقاومة. لكن معالجة هذا الأمر تستدعي استمرار التواصل والتنسيق مع كل الفصائل، لا سيما حماس".
وفي سؤال يتعلق بالحديث عن موافقة حركة حماس على دولة في حدود 67 وقولها بأن البرنامج السياسي ليس عقبة، وأن الحكومة المقترحة حكومة تكنوقراط ليس لها برنامج سياسي، أجاب د.رمضان: "ليس المهم ما تقوله حماس، المهم ما سيفعله أبو مازن لأنه استلم المفاتيح. أبو مازن رئيس الحكومة المقترحة والناطق باسمها، وهو أعلن صراحة أن الحكومة التي سيشكلها تعترف بـ"إسرائيل" والاتفاقات الموقعة معها وستنبذ العنف، أي المقاومة. كما أن خطاب حماس قام على أن سبب الانقسام ليس الصراع على السلطة، بل بسبب وجود برنامجين في الساحة الفلسطينية، وبرأيي هذا صحيح، لكن هل ردمت الهوّة بين البرنامجين وحلت معضلة البرنامج؟ هذا لم يحدث، وما تم هو الالتفاف عليها (المعضلة) أو الهروب منها، لكن لم يكد يجف حبر توقيع الاتفاق حتى رفع أبو مازن هذه المسألة كبطاقة حمراء في وجه حماس. ماذا ستكون مفاعيل هذا الأمر داخل حماس؟ هنا الخطورة وهنا تهديد الاتفاق".
وحول الحديث عن مزاعم رفض "إسرائيل" للمصالحة الفلسطينية قال: "الرفض المعلن تبيعه "إسرائيل" إلى جمهور معيّن في الداخل الإسرائيلي وفي العالم، يتعلق بموقفها من حماس وتصنيفها كحركة، بين قوسين، «إرهابية». أما التأييد في السر، فسببه فشل المفاوضات وخيار أبو مازن. "إسرائيل" لن تعطيه أي شيء ومصرّة على الاستمرار في برنامج الاستيطان في الضفة وتهويد القدس ما يجعل حل الدولتين مستحيلاً، وهذا يضعف السلطة ويهدد وجودها. في المقابل، لا غنى لها (إسرائيل) عن السلطة، وهي شريك في تأسيسها بموجب اتفاق أوسلو. إذن، كي تبقى هذه السلطة على قيد الحياة؟ يجب أن تحقق إنجازاً ما، أو يقدم لها شيء ما. "إسرائيل" من جانبها ليست جاهزة لتعطيها أي شيء في المفاوضات، فلتفتح الطريق للسلطة وأبو مازن لتحقيق هذا الإنجاز على جبهة حماس. أي، ليأخذا من حماس وليس من "إسرائيل". هكذا أفهم حقيقة الموقف والتصرف الإسرائيلي في موضوع المصالحة".
كما أكد د.رمضان بأن المفاوضات لن تأتي بنتيجة وهو واثق من ذلك: "مصدر هذه الثقة فهمنا "لإسرائيل" وعملية التسوية والمفاوضات. وهنا لا بد أن نوضح أن التسوية قامت على أساس خاطئ. التسوية بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية مثل مصر كان هدفها إغلاق ملف حرب 67، لكن نحن الفلسطينيين بيننا وبين "إسرائيل" ملفان: ملف النكبة 1948 وملف النكبة الثانية أو نكسة حزيران 67 كما سمّاها العرب. ملف 48 أو أصل الصراع وأُسُّ المسألة الفلسطينية، وهو يتفرع عنه ملف اللاجئين وحق العودة، وملف الفلسطينيين داخل مناطق 48. عبقرية من صمّم أوسلو أنه حصر الأمر بيننا وبين "إسرائيل" في ملف 67 وأن النزاع يسوى في هذه الحدود واعترفت المنظمة بما احتل عام 48 بأنه "إسرائيل" ولها حق في الوجود. اليوم، الإسرائيلي ينازع الفلسطيني على الضفة والقدس وطوى صفحة 48 وما يتفرّع منها. ومع احتدام المعركة على ملف 67 يطلع علينا الإسرائيلي بمطلب الاعتراف بـ"يهودية الدولة". يريد أن يأخذ هذا الاعتراف ليتخلص بالكامل من ملفي 48 أي يلغي حق العودة ويؤسس لترحيل أهلنا في 48 ويلغي كل السردية الفلسطينية لتاريخ الصراع. لذلك اللعبة كبيرة والعملية معقدة جداً، والإسرائيلي في ظل ميزان القوى الراهن. لن يقدم أي تنازل لأن لديه برنامج أن كل فلسطين له. لهذا السبب لا يمكن أن ننزلق إلى لعبة 67 لأنها حجر الرحى لكل اللعبة الصهيونية الراهنة".
وحول علاقة حركة الجهاد بإيران قال د.رمضان: "نحن في مبادئنا ومرتكزاتنا الفكرية والسياسية نحدد علاقتنا بأي طرف بناءً على موقفه من قضية فلسطين وتأييده ودعمه لحقوقنا العادلة وأيضاً للمقاومة، والموقف من "إسرائيل". إيران في العقدين الماضيين تفوقت في موقفها من فلسطين و"إسرائيل" والمقاومة. بعض الناس يشككون في نيات ودوافع إيران في دعم المقاومة. نحن ليس مهمتنا البحث في النيات. يهمنا الفعل. من يُقبل علي ويدعمني كجهاد إسلامي هل أدير له ظهري، وألحق بمن أدار ظهره لي ولفلسطين، لآخذ منه شهادة بإسلامي أو عروبتي أو وطنيتي؟ هذا غير معقول وغير ممكن. كما أن إيران علاقتها مفتوحة بكل القوى الفلسطينية، بما في ذلك السلطة وحركة فتح، وليس الجهاد أو حماس فقط".
وحول دعوة د.رمضان إيران للحوار مع دول الخليج قال: "نحن نثمن موقف إيران المتميز من قضية فلسطين، لكن هناك ملفات وقضايا أخرى حساسة في المنطقة جعلت الآخرين يقولون بأن إيران تشكل تهديداً لهم، بل في نظرهم هي عدو جديد في المنطقة بدلاً من "إسرائيل". وهذا بالنسبة لنا منزلق خطير ونعتقد أن هدف القوى المعادية في الأمة بحيث أن حروب الاستنزاف الطاحنة التي تجري بين مكونات أمتنا ومجتمعاتنا يكون هدفها أو أحد أهدافها الرئيسة استبدال الصراع المذهبي والطائفي أو الصراع السني- الشيعي، بالصراع العربي- الإسرائيلي. وإذا كان العرب بعضهم اعترف بـ"إسرائيل" وعقد صلحاً معها، فإيران أولى بالتعايش معها، فهي بلد مسلم تجمعنا به روابط الدين والجوار والتاريخ، بغض النظر عن الاختلافات التي هي موجودة بين بعض الدول العربية أيضاً. من هنا كانت دعوتي كي تأخذ إيران زمام المبادرة وتدعو إلى لقاء، والحوار مع الجميع لا سيما دول الخليج".
وفيما يتعلق بالنزاع الدائر في سوريا قال د.رمضان: "ما يجري في سوريا اليوم حرب استنزاف للجميع، بل محرقة تأكل بنارها كل أطراف النزاع، وهذا ما تتمناه "إسرائيل" وحلفاؤها حيث أن أعداءهم من كل الأطراف في سوريا والمنطقة يتقاتلون، فماذا يريدون أفضل من ذلك".
صحيفة «الحياة» اللندنية