عدنان الحسني
لم يعد التوتر الحاصل في العلاقة بين السلطة وكل من السعودية ومصر سراً، فالبرود الحاصل في العلاقة بات علنياً، لا سيما بعدما تعددت المؤشرات التي تدلل على ذلك، وأبرزها تفكير السلطة في شراء الوقود من العراق بدلا من السعودية وزيارة الرئيس محمود عباس التاريخية للعراق دون المرور على الرياض أو القاهرة، ويلاحظ أخيرا توقف زيارات الرئيس للعواصم العربية عموماً والقاهرة والرياض على وجه التحديد رغم كل ما تمر به السلطة الفلسطينية من أزمات وتحديات، حتى أنّ الأمر بات حديث الصحف العبرية والعربية ومحط تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين السلطة والقاهرة والرياض في الوقت الحالي.
خروج الأزمة الحاصلة بين السعودية والسلطة للعلن لم يبدأ فقط بالتقرير الذي نشرته صحيفة جيروزاليم بوست أوائل شهر أغسطس/ آب الجاري، وتحدثت فيه عن العلاقات الفلسطينية السعودية، وأن الفلسطينيين يحاولون منع اشتعال أزمة مع السعوديين، وأن السلطة الفلسطينية تفكر في إرسال وفد بارز إلى الرياض، لإجراء محادثات مع أعضاء العائلة السعودية الحاكمة ومسؤولي الحكومة، لكنها لم تجد استجابة من السعودية لترتيب الزيارة.
اكتفى تقرير جيروزاليم بوست بالشق الرسمي في العلاقة المتوترة بين الطرفين وأغفل الشق غير الرسمي أو الشعبي بينهما، في حين نجد أن المركز الفلسطيني للسياسات والدراسات المسحية في رام الله أجرى استطلاع رأي ركز فيه على الشق غير الرسمي الشعبي. وقد كشف استطلاع الرأي الذي أجراه المركز عن اعتقاد نسبة 80% من الفلسطينيين بتخلي الدول العربية عن قضيتهم، فيما اتهم الفلسطينيون السعودية ودولا عربية أخرى بالترويج للتطبيع مع إسرائيل.
وكانت جيروزاليم بوست قد أشارت في تقريرها المشار إليه إلى أن التوتر الفلسطيني السعودي لم يكن وليد أو نتيجة ورشة البحرين، بل بدأ في الظهور في نهاية عام 2017، عندما نسب إلى مسؤولين فلسطينيين قولهم إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإزاحته عن السلطة إذا لم يتعاون مع المملكة. وتشير الصحيفة إلى أن المسؤولين الفلسطينيين أو السعوديين لم ينفوا ذلك. وقد ذكر تقرير الصحيفة حادثة غاية في الأهمية على لسان مسؤول فلسطيني لم يسمه بأن ولي العهد السعودي كان "وقحا جدا" مع عباس أثناء لقائهما. ويقول المسؤول الفلسطيني: "غادرنا بانطباع أننا كنا جالسين مع بلطجي كان يحاول الإملاء علينا".
وذكرت مصادر صحافية عربية آنذاك أن ولي العهد كان قد عرض على الرئيس عباس 10 مليارات دولار مقابل دعم خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام والمسماة إعلاميا بـ"صفقة القرن"، لكن الرئيس عباس رفض هذا العرض، قائلا: "هذا يعني نهاية حياتي السياسية".
يلاحظ بعد هذه الحادثة ارتفاع بعض الأصوات العربية الإعلامية والمثقفة ضد السلطة وضد القضية الفلسطينية وضد الشعب الفلسطيني، صحيح أن هذه الأصوات ليست جديدة لكن الجديد هو حجمها وموقعها وانتشارها، الأمر الذي يعني أن هناك ضوءا أخضر من النظم العربية الرسمية لمهاجمة السلطة والفلسطينيين، أحد مؤشرات ذلك ما قامت به قناة العربية السعودية عندما أتاحت لفادي السلامين (الذي يقال إنه أحد المقربين من القيادي المفصول ومستشار ولي عهد أبوظبي محمد دحلان) فرصة أن يهاجم السلطة وينتقد الرئيس عباس، ووفرت له منبراً للحديث عن الفساد وعن سوء إدارة السلطة، وهو ما دفع حركة فتح إلى شجب ما حدث واستنكار أن تمنح قناة العربية للسلامين فرصة مهاجمة السلطة، وطالبت القناة بالاعتذار عن الخطأ الذي وصفته فتح باللاأخلاقي.
وبدلاً من إذابة الجليد بين السلطة والسعودية، تطور التوتر ليأخذ مستوى شعبيا غير رسمي لكنه هذه المرة يتعلق بالسلوك لا بنتائج استطلاع الرأي، إذ خرج عدد من المتظاهرين في الضفة الغربية وقاموا بحرق ملصقات تحمل صور الملك سلمان ونجله ولي العهد الأمير محمد، إلى جانب صور بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
التوتر الحاصل في علاقات السلطة بالعواصم العربية تشخصه روت فاسرمان ليندا، وهي مساعدة السفير الإسرائيلي في مصر، ومستشارة شمعون بيريس للشؤون الخارجية سابقا، وقد عملت في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" عدة سنوات، في قولها "إن ورشة البحرين الاقتصادية دليل جديد على ابتعاد الدول العربية عن القضية الفلسطينية"، مشيرة إلى أن "استمرار الرفض الفلسطيني لمبادرة الرئيس دونالد ترامب قد تتسبب بزيادة غضب الزعامات العربية عليهم". وتضيف أن الآونة الأخيرة باتت تشهد صدور أصوات عربية ناقدة للموقف الفلسطيني، ما يعني أن المواقف العربية المعتدلة تبتعد عن الواقع الفلسطيني من خلال موقف براغماتي لخدمة مصالح هذه الزعامات والقيادات العربية بالدرجة الأولى.
أخيرا دار الحديث عن محاولة سعودية لتجاوز السلطة الفلسطينية عندما حاولت السعودية فتح قنوات اتصال غير رسمية في سعيها لتثبيت حضورها في مدينة القدس، وطلبت من قيادات المدينة المقدسة من إعلاميين ورجال دين مسلمين ومسيحيين الحضور للسعودية ولقاء ولي العهد محمد بن سلمان. وقد قوبل الطلب السعودي هذا بالرفض من قبل الشخصيات المقدسية، لكنه كان كافيا هذه المرة لإغضاب السلطة والأردن معاً.
استمرار التوتر في العلاقة بين السلطة الفلسطينية والسعودية يفضي إلى قراءة مفادها أن علاقات السلطة بالقاهرة أيضاً لا تبدو أوفر حظاً من نظيرتها الرياض، لا يفهم ذلك فقط من خلال توقف زيارات الرئيس عباس للقاهرة ولقائه بنظيره السيسي ولا يفهم من خلال توقف الوفد الأمني المصري عن زيارة رام الله ولقائه بالرئيس عباس، ولا يفهم كذلك من خلال تراجع الدور المصري في ملف المصالحة المتعثر من الأصل لا سيما عقب ذهاب الرئيس عباس لتشكيل حكومة فلسطينية فتحاوية يترأسها اشتيه وهو ما أغضب القاهرة لأنه يقطع الطريق على جهودها في تحقيق مصالحة فلسطينية، لكنه يفهم هنا من خلال غض القاهرة الطرف عن التوتر الحاصل بين السلطة والسعودية وقد كان يمكن لها أن تقود تلطيف العلاقات وتقريب وجهات النظر، ولا سيما أن ما يجمع القاهرة بالرياض قادر على إنجاح جهود القاهرة إن نوت وأرادت ترميم العلاقة بين السلطة الفلسطينية والسعودية.
قد يبقى الفتور حاضراً في العلاقة بين السلطة والقاهرة، وخاصة أنه فتور في جزء منه شخصي بين كل من الرئيسين عباس والسيسي، لكن لا يتوقع أن يستمر الفتور والبرود ذاته في العلاقة بين السلطة والسعودية، خاصة في ظل الأزمة المالية التي تمر بها السلطة وتراجع خياراتها وخشيتها من توقف الدعم المالي السعودي، وعليه يتوقع أن تبادر السلطة إلى ترميم علاقاتها بالسعودية، يحكمها هنا ويضغطها فقط محدد الدعم المالي.