Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

فلسطين.. ولعنة الانقسام

هاشم عبد العزيز

كل شيء يتغير، هذا أمر لا جدال فيه، ولكن هل التغيير مفتوح على المفاهيم؟ هذا ما تطرحه حالة الانقسام السياسي الفلسطيني التي يتحدث عنها المنقسمون ك«نغمة»، لكن الكثير يتعاملون معها ك«نعمة». فمن المعلوم أن الانقسام تم إثر سيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة، بعد أن كانت شريكاً للحكومة الفلسطينية، وكان الحدث صادماً، وقلب الوضع الفلسطيني رأساً على عقب، لتبدأ رحلة التداعيات، التي لا تزالت متواصلة منذ قرابة 10 أعوام.

السؤال هو: أين ذهبت موجة الأفعال وردود الأفعال التي تفجرت باستياء، وقهر، وغضب فلسطيني، وجهود عربية، خاصة من قبل مصر، والتي أثمرت تفاهمات واتفاقات، ووصلت في مرات عدة إلى تزمين الخطوات للخروج من مأزق ودوامة الانقسام؟

لقد كان التبرير لما جرى من قبل «حماس» أنه رد فعل على حملة الضغوط والابتزاز التي تعرضت لها من قبل الإدارة الأمريكية آنذاك، ومن دول غربية أخرى لم تتقبل نتائج الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، وقيام حكومة بشراكة ورئاسة «حماس»، وفي هذا الطرح هناك الكثير من الصحة في النظرة العامة للأمور، لكن في القراءة الدقيقة كانت «حماس» تلحق ضرراً فادحاً بالوضع الفلسطيني وخطراً على القضية الفلسطينية، ما يعني أن ما حدث لم يكن هروباً من مأزق، بل كان خروجاً بحسابات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما بات الانقسام هو الوضع القائم، والمشروع القادم.

والمسألة هنا ليست مجرد سوق اتهامات، بل حقائق تتجلى في المشهد الفلسطيني المنقسم اليوم بطبيعته، وتداعياته، وفي هذا الشأن أجمعت الأطراف والأوساط العربية والإسلامية على مواجهة الانقسام، وقد رأت أن ما حدث ضرر، وخطر لا يخدم سوى الاحتلال، وحلفائه في سياستهم باتجاه تصفية القضية الفلسطينية.

وحدهما الموقفان التركي والقطري كانا مغايرين لهذا الإجماع الذي تفاوت بين إعلامي، وعملي، فقطر تعاملت مع الانقسام على أساس أنه يوفر فرصة أمامها، وتركيا اعتبرت ما جرى من انقسام إنجازاً ومكسباً لسياستها، وأتباعها، ويتجلى ذلك في التباكي الخادع الذي ذرفه أردوغان على حصار غزة، دونما إعطاء ولو القدر اليسير من الاعتبار لأضرار ومخاطر وتداعيات الانقسام، بما في ذلك حصار غزة الذي كان يجب أن يتحول إلى قضية وطنية فلسطينية، وقضية عربية إنسانية.

لقد حول هؤلاء غزة إلى مطية وابتذال، ومن ذلك كان الاستعراض القطري للأموال في الشوارع لحمل المقهورين والمحتاجين على التهليل لهذا الوضع الذي يسترخص القيم والإنسان، فهل حان الوقت لأن يقال إن ما ترتب على الانقسام السياسي الفلسطيني بات يمثل مفاهيم بديلة لما كان سائداً فلسطينياً عن الوحدة الوطنية، والمصير المشترك، والشراكة الوطنية، والتفاهم، والتواصل، والتعاون، والتضامن، وإعلاء قضايا مواجهة الاحتلال، وإنهاء الاحتلال وإزالة الاستيطان؟

ما جرى يندرج في هذا السياق، والأمر هنا يرتبط بالأساس بالسياسة التركية، التي كانت، ولا تزال قائمة على حساب الشعب الفلسطيني، والقول هكذا لا يجافي الحقيقة من أن السياسة التركية في شأن القضية الفلسطينية هي سياسة اتجار بامتياز، والدال على هذا أن ما يدعيه أردوغان عن القضية الفلسطينية، والانتصار لشعبها في استعادة حقوقه كان سبقه السلطان عبدالحميد من حيث التناقض بين الأقوال والأفعال في شأن الاستيطان، والذي ازدهر إبان ولايته على فلسطين حيث تواطأ من أجل الحصول على الأموال، وهذا ما كان قدمه الصحفي الفرنسي جان دايه بحقائق مدعومة بالوثائق والأرقام.

وماذا بعد؟

من المؤكد أن استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني يعود إلى جانب الرعاية التركية القطرية إلى عدة أسباب، من أهمها على الإطلاق التقاء المنقسمين على المصالح الخاصة، بيد أن التوقف أمام ما جرى من محاولات لتجاوز الانقسام وأبرزها الإنجازات التي رعتها مصر في هذا الشأن، وقد استوعبت قضية إعادة بناء الوضع الفلسطيني على قاعدة الوحدة الوطنية، ما يعيد حركة «حماس» إلى الخيار نفسه لا للهروب من مأزق الانقسام، وحسب، بل الخروج من دوامة الابتزاز التي تدور على «حماس» نفسها، وعلى الوضع الفلسطيني بوجه عام.

إن ما يجري تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته يضع حركة «حماس» أمام الاختيار التاريخي، إما الخلاص والخروج من التبعية بالصدق والجدية، وإما البقاء في هذه الدوامة التي تضيق يوماً بعد يوم جراء الهجمة الواسعة لتصفية القضية الفلسطينية.

وفي هذا الشأن ليس مطلوباً من «حماس» الاعتراف بخطأ وخطيئة سيطرتها على غزة، لكنها مطالبة بمغادرة الفخ التركي القطري الذي حولها إلى لغم ينذر بالانتحار، وليس الانفجار.

وحتى لا تكون «حماس» في لعنة «الانقسام خيارنا والانقسام قوتنا، والانقسام إرادتنا»، عليها أن تضع نهاية حاسمة للتدخل التركي والقطري التآمري في الشأن الفلسطيني، تحت وهم الادعاء بدعم الشعب الفلسطيني.