رأي القدس
بدلا من الاستعداد، كبقية الشعوب الإسلامية، لتقضية أيام فرح وسرور في عيد الأضحى المبارك، يستعد الفلسطينيون لإغلاق مساجد القدس وتأدية صلاة العيد في المسجد الأقصى وحده بعد تأجيل صلاة العيد ساعة من الزمن، في إجراءات تهدف لصد الهجمات التي أعلنت عنها الجماعات الإسرائيلية المتطرفة للمسجد الأقصى، والرد على قرارات السلطات الإسرائيلية بمنع الفلسطينيين من إقامة الصلاة فيه، وفتح أبوابه لاقتحامات غلاة المستوطنين اليهود.
ولو أن أمر جيران «أهل الرباط» وأشقائهم من العرب والمسلمين اقتصر على التعاطف وشدّ الأزر بالصلاة والدعاء لهم، أو بالكلمة اللطيفة حتى، لهان ابتلاء الفلسطينيين بهجمات «قطعان المستوطنين» وخطط سلطات الاحتلال، ولتفهموا ظروف إخوانهم وأشقائهم، خصوصا من يقبعون تحت أشكال الاستبداد والدكتاتورية العربية ذائعة الصيت، لكن ماذا يفعلون حين يتطاول عليهم من العرب من يعتبرون أنفسهم مثقفين وكتابا وصحافيين، ويستهينون بعذاباتهم وبعروبتهم وإسلامهم، ويعلنون خصومتهم لهم وتعاطفهم مع أعدائهم؟
آخر فصول هذا الكيد للفلسطينيين كان محاولة «ناشط» سعودي التجول في القدس قرب المسجد الأقصى أثناء زيارة كان يقوم بها مع وفد من «الصحافيين العرب» إلى إسرائيل، وهو ما أدى إلى غضب فلسطيني تجسّد في إهانات ومطاردة بعض الصبية له، وبعدها خرجت «ناشطة حقوقية» تدعى سعاد الشمري في مقابلة مع «هيئة البث الإسرائيلية»، أثنت فيها على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واصفة إياه بـ«الإصلاحي»، وتحدثت في شريط تم تداوله بكثافة عبر الانترنت عن «حلم الكثير من السعوديين والخليجيين بزيارة إسرائيل».
بعد الشمّري جاءت «صحافية» سعودية تدعى سكينة المشيخص، والتقت بدورها بصحافي إسرائيلي، قالت فيها إنها «لم تلمس أي عداوة بين إسرائيل والمملكة على أرض الواقع»، وفي المقابل فهناك «عداء كبير من إخوتنا في فلسطين لنا كسعوديين»، وردا على تعليقات اتهمتها بالسعي للشهرة بينت أن موقفها من إسرائيل والفلسطينيين يعود إلى عام 2009 حين نشرت مقالة بعنوان «أيها العرب لم يعد لديكم قضية فلسطينية».
يوضّح تواتر هذه الحوادث عن ترابطها، وفي بلد مثل السعودية، يُعاقب فيه الناس على قضايا سياسية أقل بكثير من هذه التصرفات، وعن تواطؤ مكشوف بين السلطات والمتنطعين لهذه الأدوار البذيئة التي يقومون بتمثيلها.
صحيح أن البعض منهم، كما هو الحال مع المشيخص والشمّري، «مؤهلون» لهذا الدور الذي يقومون به، ولكنّ للتنكر للقضية الفلسطينية بمقال صحافي عام 2009 شيء، ومقابلة جهة إعلامية إسرائيلية رسمية، أو الذهاب في وفد من الصحافيين العرب إلى إسرائيل، والتجوّل مع إسرائيليين في القدس (كما لو كان المقدسيون سكان قرية أثرية من الهنود الحمر يتمّ عرضهم على سياح أجانب) فهذه حكاية لا يمكن أن تتم إلا بالتنسيق مع أعلى الدوائر الرسميّة السعودية، وخصوصاً مع سعود القحطاني، «أمير الذباب الالكتروني»، والمسؤول عن صحيفة «وول ستريت» عن قيادة التطبيع والعلاقات مع الإسرائيليين، وبطل سيناريو ذبح وتقطيع وشي الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والمستشار الأول لوليّ العهد «الإصلاحي» محمد بن سلمان.
لا يتعلّق الأمر إذن بـ«ناشطين» و«صحافيين» و«كتاب» خليجيين «يحلمون بالذهاب إلى إسرائيل»، ولا يتعلّق حتى بمبرر «التحالف ضد إيران»، بل يتعلّق بكلبيّة سياسيّة لفئة منبتّة الجذور تريد أن تحسب على عالم الأقوياء في أمريكا وإسرائيل الذين يسخرون من أزيائها واستبدادها وتهافتها، وينظرون إلى سكانها باعتبارهم زكائب نقود يجب سرقتها، أو موردي نفط رخيص، أو زبائن يمكن بيعهم أي شيء!