أنطوان شلحت
حتى قبل كشف النقاب رسميّاً عما يسمّى "الشق السياسي" من خطة صفقة القرن الأميركية، يسود اعتقاد، بما في ذلك بين أوساط إسرائيلية أيضاً، أن هذه الخطة سيُكتب لها الفشل الذريع، بالانطلاق من قراءة ما ينطوي عليه السعي المتواتر من جانب إسرائيل وإدارة ترامب الأميركية لتجاهل قرار مجلس الأمن رقم 242، والالتفاف عليه، ولا سيما في سياق الحديث عن أراضي الضفة الغربية.
ويأتي ذكر القرار ضمن هذا الاعتقاد، كما انعكس الأمر أخيراً في ورقة تقدير موقف، أعدها المستشار السابق لرؤساء جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) ماتي شتاينبرغ، في إطار إعادة التذكير بالوثيقة المبدئية المركزية في اتفاقيات كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، التي سميت "إطار للسلام في منطقة الشرق الأوسط"، والموقعة في سبتمبر/ أيلول 1978، وورد في مطلعها أن "القاعدة المتفق عليها لتسوية الصراع بين إسرائيل وجاراتها بطرق سلمية، هي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، بكل أجزائه ومركّباته"، وأن أي مفاوضاتٍ مستقبليةٍ تُجرى بين إسرائيل وأي من جاراتها "سترمي إلى تطبيق وتنفيذ جميع الأحكام والمبادئ الواردة في قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338". وهذا القرار الأخير عاد وأكد من جديد مفعول القرار رقم 242 إثر حرب أكتوبر 1973.
يلحظ شتاينبرغ في الجزء التنفيذي من تلك الوثيقة، تشديداً على أن أي تسوية شاملة ودائمة وثابتة في منطقة الشرق الأوسط ينبغي أن تُبنى، بالضرورة، على أساس معاهدات سلام ترتكز إلى قراري مجلس الأمن 242 و338. وبناءً عليه، حُدّد "إطار السلام" بين إسرائيل ومصر بأنه نموذج غير مسبوق لـ"قاعدة السلام"، ليس بين الدولتين فقط، إنما أيضاً "بين إسرائيل وأي من جاراتها الأخرى المستعدة للتفاوض من أجل تحقيق السلام على هذه القاعدة". ونوّه بأن "الحكم الذاتي الكامل" في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة سيكون مؤقتاً، ويستمر خمسة أعوام، تبدأ بعدها مفاوضات بشأن مكانة هذه الأراضي النهائية، بالاستناد إلى تعليمات قرار 242 وأحكامه. ووفقاً لـ"إطار السلام" عينه، على هذا الحل أن يعترف بـ"الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة". ويخلص شتاينبرغ مما تقدّم إلى عدة استنتاجات، أبرزها:
أولاً، ثمة لهذا النص الواضح والقاطع معنى واحد وحيد هو: إسرائيل ملزمة، بصورة واضحة، باعتبار نموذج القرار رقم 242، كما جرى تطبيقه في السلام مع مصر، نموذجاً أساسياً أصلياً للسلام مع جاراتها الأخرى كافة. كما أنه يُحدّد المعايير التي يتعين اعتمادها بخصوص الانسحاب. ومع أنه ظهرت منذ البداية خلافات بين الدول العربية وإسرائيل، بشأن ما إذا كان المطلب بشأن انسحاب الأخيرة عقب حرب حزيران/ يونيو 1967 يسري على كامل الأراضي المحتلة أم لا، فإن مقدمة القرار شدّدت على مبدأ عدم جواز "امتلاك أراض بواسطة الحرب".
ثانياً، يجب الانتباه إلى حقيقة أن "إطار السلام" السالف حرص، وبمثابرة ثابتة، على استخدام تعبير "جارات إسرائيل"، لا تعبير "دول مجاورة"، بما يتيح عملياً إمكان شموله الجانب الفلسطيني، حتى قبل أن تكون له دولة.
قد يسأل سائل: ما الجديد في هذا التقييم؟ أليست الخلافات المذكورة أعلاه هي من الإشارات المبكرة إلى نية إسرائيل الالتفاف على قرار 242، وخصوصاً في ما يتعلق بأراضي الضفة الغربية؟ الجديد هو إشهار رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو نيات الضم، وإعلان المسؤولين الأميركيين عن "صفقة القرن" تأييدها، ما شفّ عنه مثلاً قول السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال ديفيد فريدمان، في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز في يونيو/ حزيران، إن "لإسرائيل الحق في ضم أجزاء من الضفة الغربية لكن ليس كلها". وسبق هذا وذاك إعلان ترامب بشأن "الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان"، الذي من شأنه أن يُعدّ بمثابة تنصل أميركيّ رسميّ من اعتبار الالتزام بقرار 242 سابقة يُبنى عليها.