يونس السيد
في ميزان اللحظة الراهنة، تبدو تفاهمات «التهدئة»، التي تم الإعلان عنها بين الاحتلال وقطاع غزة، تعبيراً عن حسابات المصالح، وحاجة الطرفين إلى عدم التصعيد؛ لكنها حاجة مؤقتة، ويمكن أن تتغير بتبدل الظروف والتطورات على الأرض، وبالتالي فإنها ستظل قيد الاختبار على مدار الساعة؛ منعاً للانزلاق إلى مغامرات غير محسوبة، يحرص الطرفان على عدم الدخول فيها.
هذا النوع من التهدئة، لا يمكن الركون إليه أو البناء عليه؛ لأنه يتعلق بحسابات مبنية على تقطيع الوقت؛ إذ لم يعد خافياً أن سلطة الاحتلال لا تريد الدخول في حرب جديدة مع قطاع غزة قبل الانتخابات «الإسرائيلية» المُقررة في التاسع من إبريل/نيسان الحالي؛ خوفاً من تداعياتها «الكارثية» على نتائج هذه الانتخابات؛ لكنها قد تغير رأيها بعد ذلك، وهي تخشى من تداعيات «يوم الأرض» و«مسيرات العودة» الفلسطينية، وإمكانية انجرارها إلى مواجهة مفتوحة، سيستفيد منها خصومها السياسيون، في الحالتين، إن حاولت الاكتفاء بالحشود العسكرية وإطلاق التهديدات؛ حيث ستتهم هنا بالعجز، أو إن قررت اللجوء إلى الخيار العسكري واضطرت إلى مواجهة صواريخ المقاومة وهروب مستوطني ما يُسمى «غلاف غزة» إلى الداخل، وهو ما يؤدي إلى نفس النتيجة وسط انتقادات شديدة لفاعلية ما يُسمى ب«القبة الحديدية»، وبالتالي فقد ارتأت سلطة الاحتلال، التي كانت تفاوض بالتهويل والاستعراض العسكري، قبول بعض الشروط الفلسطينية، وليس كلها؛ أي تخفيف الحصار عن القطاع، لا إنهاءه على أمل الاستفادة من الهدوء في إطار سياسية تقطيع الوقت.
وبالمقابل، فإن الوضع الإنساني الكارثي للقطاع، وحاجة سلطة «حماس» إلى التخلص من الارتدادات الناجمة عن حملتها القمعية للاحتجاجات المطلبية والحياتية لسكان القطاع؛ دفعها لاستغلال الحاجة أو «الضرورة الانتخابية الإسرائيلية»؛ لتحقيق بعض الشروط، التي طرحتها على أمل تخفيف حدة التوترات والأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع. ومع أن الحديث يدور عن أن التهدئة الحالية تستند إلى تفاهمات عام 2014 مع بعض الإضافات؛ مثل إقامة منطقتين صناعيتين في القطاع، ومشفى لعلاج السرطان، وتزويد القطاع بالكهرباء بصورة منتظمة، وإدخال «الأموال القطرية»، وإعادة تجهيز المعابر والسماح بإدخال نحو 1200 شاحنة إلى القطاع، ووقف عمليات قمع الأسرى في سجون الاحتلال.. إلا أن حسابات المصالح تطغى على كل ما عداها في هذه التفاهمات؛ إذ إن الطرفين يسعيان إلى تحقيق الشيء وضده معاً.. فلسطينياً الحرص على إحياء «يوم الأرض» و«مسيرات العودة» مع إبعاد الحشود الفلسطينية عن الشريط الحدودي، فيما يواصل الاحتلال حشوده وإطلاق تهديداته من دون أي فاعلية؛ بهدف تمرير هذه الفترة بأقل قدر من التوترات.
في كل الأحوال، لا يمكن الحديث عن تهدئة طويلة الأمد في ظل الظروف التي ولدت فيها التفاهمات الأخيرة، فمن حيث المبدأ لا يمكن أن تستقيم التهدئة مع استمرار الحصار، وبالتالي لا توجد ضمانات لمثل هذه التهدئة مهما كانت التعهدات التي قطعت بشأنها؛ إذ إنها ستظل قيد الاختبار على الأرض، ومرهونة بعدم حدوث مفاجآت أو خروق مؤثرة؛ كإطلاق صواريخ على التجمعات أو المدن الاستيطانية، بينما الضمانة الحقيقية تكمن في عودة اللحمة للفلسطينيين ورفع الحصار نهائياً عن القطاع، وإعطاء سكانه حرية الحق في الحياة أسوة ببني البشر.