اعتادت وسائل الإعلام في مثل هذا اليوم أن تنقل صوراً من مخيمات اللجوء لكهول يحملون مفاتيح البيوت وقواشين الطابو، وكانت الحيطان مكانا آمنا لكتابة بعض الشعارات عن العودة الى الارض والهجوم على الأنظمة العربية،
وبعض المقاطع من الاغاني الثورية واشعار وشعارات وكانت النقابات والنوادي تتسابق لعقد فعاليات وندوات ومعارض للراحل ناجي العلي على وجه الحصر وبوسترات الراحل كامل قعبر، وكان الفلسطيني مميزا في مثل هذا اليوم بوصفه اللاجئ العربي الوحيد.
اليوم ذكرى النكبة الفلسطينية وهذا حق حصري لفلسطين وشعبها، لكنها ليست ذكرى اللجوء الوحيدة بعد ان اثمر الربيع العربي وقبله احتلال بغداد عن لاجئين على مدّ البصر، وبات هناك لجوء في الداخل ولجوء في الخارج ومهجرون ونازحون من كل الاقطار وطغى مخيم الزعتري على كل مخيمات اللجوء في عمان وكذلك الحال في لبنان وتركيا، فاللجوء بات ظاهرة عربية بامتياز، وحتى كرت المؤن لم يعد امتيازاً حصرياً لـ“اللاجئ“ الفلسطيني بعد ان تعددت اشكاله ووصفاته وجهات منحه، فثمة كروت مؤونة متعددة ووكالة غوث واحدة ونشكر الامم المتحدة على هذا الامتياز للانسان الفلسطيني.
في ذكرى النكبة، هناك اعترافات جديدة بالمحرقة والاعتراف بالكيان العبري دولة مستقلة يشارك نواب لاجئون في احتفالات استقلالها جهرا وسرا، وهناك برقيات تهنئة لرئيس الكيان العبري من عرب في ذكرى الاستقلال، وقد تتطور الحال ويصبح هذا اليوم عطلة رسمية تبرزه وسائل الاعلام العربية مثل غيره من ايام الاستقلال للدول الصديقة والشقيقة، وربما نُلغي ما تيسر من اذكار عن حيفا ويافا واللد والرملة، ونُسقط اسماء الدلع للنكبة من شاكلة مصطلح الخط الاخضر وفلسطين الطبيعية وعرب الـ“48“، فهذه كانت بداية المؤامرة على النكبة.
في ذكرى النكبة سنجتهد في اجترار نكبات كثيرة، وسيصبح القوس مفتوحاً عند الحديث عن اللاجئين “فلسطين والعراق وسوريا وليبيا...... ولن نغلق القوس، فثمة وافدون إلى سوق اللجوء، وسنتحدث في معاركنا السياسية ولجاننا الوطنية وأجنداتنا الإصلاحية عن حقوق اللاجئين والمواطنة والتوطين والأوطان البديلة وتمثيل اللاجئين في البرلمان وسيستفيد اللاجئ الأسبق بحكم شروخ الذاكرة العربية، وستعلو سقوف المحاصصة وربما نصل الى التخصيص في المقاعد الحكومية والبرلمانية.
سنتحدث عن الوطن الواحد والامة الواحدة وسماحة الدين الحنيف في ضرورة اسقبال اللاجئين ومقاسمتهم رغيف الخبز وكسرة الماء مع ما تبقى من أنصار، ولكن لن يرتفع صوت أو يتحدث أحد عن حق العودة والتحرير فهذه مهمة اجيال قادمة لم نترك لها حتى كتاباً منهجياً يُذكرّها بالأوطان المسلوبة بعد أن سلبنا المناهج كل محتويات المقاومة والعودة والتحرير وتركنا للاحتلال المحارق والتيه وأرض الميعاد.
لا يتحدث اللاجئ الطازج الآن عن العودة بل عن حصته في الدعم النقدي واموال الجهات الداعمة وتعداد فلقات الصابون في بطاقة الدعم الاممي وعدد باكيتات السيرف وتعداد قناني سائل الجلي ونوع الصوبا وشكل الغطاء، في حين ينتظر اللاجئ العتيق جنسية بلد اللجوء، وتجنيس أبناء العربيات، فما عاد الأمر حكراً على الاردنيات فقط.(..).
كلما طال أمد اللجوء صَغُرت أحلام العودة، وكلما انزلقنا في الانصياع الى الاوامر الكونية ضاعت سمات اللاجئ، حتى العاب الصغار لم تعد عسكر وحرامية أو فدائي وصهيوني، بل صارت ألعاباً الكترونية عن الرجل الحديدي وسباق السيارات وماريو، وكلما ابتعد العقل العربي عن العودة والتحرير وتوفير البيئة الحاضنة للمقاومة الثقافية والوطنية بحدها الأدنى فعلينا الاستعداد لمزيد من اللاجئين.