د.عبدالعزيز المقالح
هو تعبير مغلوط ذلك الذي يتردد في الكتابات وعلى ألسنة كثيرين عن خلافات فلسطينية-فلسطينية، إشارة إلى خلافات القيادات، في حين أن الأوساط الشعبية الفلسطينية بريئة منها ولا علاقة لها بها من قريب أو بعيد. وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عنها وعن ردود الأفعال، كما تكاثرت اللقاءات حول ما يسمى بِ«المصالحة» بعد أن بلغ الخلاف بين تلك القيادات درجة لا تحتمل، وصار البعض يقول إن العداء بين هذه القيادات وبعضها أشد من العداء بينها وبين العدو الصهيوني، وهي حالة لم يشهد العالم لها مثيلاً في وطن خاضع للاحتلال الاستيطاني، وفي مرحلة تستدعي من جميع أبنائه، فضلاً عن قياداته، الالتفاف والوقوف الموحد من أجل تقرير المصير، واسترجاع الحق المسلوب وإفشال كل محاولة لشق الصف أو الانحراف بالخط الوطني عن المسار الذي يتطلبه التحرير وتفرضه الأولويات الوطنية.
لم تكن فلسطين الغالية هي البلد الوحيد الذي سطا عليه الأغراب واستوطنوه بقوة الحديد والنار وبالتواطؤ الدولي، بلدان أخرى عربية وغير عربية عانت المصير نفسه، إلاَّ أن أبناءها كانوا في مستوى التحدي والمنازلة ولم تذهب بهم رياح الخلافات والانتماءات المختلفة بعيداً عن الهدف الأساس، لذلك فقد تمكنوا من استرداد السيادة لبلدانهم وضمنوا لها الحرية والاستقلال بعد عشرات السنين من الاحتلال وسيطرة العدو. إلاَّ أن فلسطين تكاد وحدها تعاني تأخر قياداتها واحتراب هذه القيادات، وسقوط ضحايا أبرياء من مواطنيها خارج ميدان المعركة المطلوبة، ووصلت الحال بعدد من عقلاء هذا البلد الأسير إلى القول إن المحنة الناتجة عن الخلافات بين القيادات قد أعطت العدو مساحة من الوقت ومساحة من الأمان ليتمدد ويتوسع في نشاطه الاستيطاني على حساب ما كان قد تبقى من أراض طليقة ومحررة.
ويبدو أن هذه الحالة المحزنة قد أوجدت لبعض المتفرجين إزاء ما يحدث فرصة لإظهار مواهبهم في الدعوة إلى اللقاءات والاجتماعات بحثاً عن وسائل للمصالحة وإعادة الألفة المفقودة إلى تلك القيادات المتنافرة والمتصارعة. ولأن النوايا لدى كل الأطراف غير مخلصة، فقد تكررت تلك اللقاءات دون جدوى، وربما ساعدت على إذكاء نيران الخلاف وفتحت الباب لمزيد من الجروح، ومزيد من التصدع. وتشير النتائج إلى أن المختلفين ما يكادون يعودون إلى مواقعهم بعد لقاء المصالحة حتى تتصاعد الرغبة في الاقتتال وتتعالى الاتهامات والإدانات المتبادلة وإعلان البراءة من كل اتفاق يمكن أن يكونوا قد توصلوا إليه. وقد يكون في إمكان أولئك المتفرجين إحصاء عدد الاجتماعات الفاشلة التي كانوا ولا يزالون يدعون إلى إقامتها، وهم يعلمون مقدماً عدم جدواها.
أخيراً لا أحد يدري هل تعكس انقسامات القيادات الفلسطينية الانقسامات المعلنة في أكثر من قطر عربي، أم أن هذه الانقسامات العربية هي التي تعكس نفسها على الواقع الفلسطيني. فالحال هنا وهناك تكاد تكون واحدة في مضمونها وأشكالها وفي مبرراتها، وتعبيرها عن الخذلان، وغياب القدرة على مواجهة الحقائق في أبسط وأوضح صورها.
لقد انتهى أو كاد دور المؤسسات الفلسطينية، وعمل انشغالها أو بالأصح إقحامها في بعض القضايا العربية من ارتفاع درجة الابتعاد عن الهم الأساسي وبعثرة الجهد فيما لا طائل منه، فهل لا يزال هناك وقت لإعادة النظر في هذه الأمور وإصلاح ما أفسدته الظروف والأهواء؟ ذلك بعض ما يتمناه ويرجوه كل عربي حريص على القضية وأبنائها.