د. وليد القططي
من حينٍ لآخر يتم إطلاق حملات إعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي تحمل عناوين مختلفة ومتناقضة تجاه السيد محمود عباس تُعبّر عن عمق الصراع السياسي الفلسطيني، ومن هذه العناوين المؤيدة: فوّضناك، بايعناك، اخترناك، ومن العناوين المعارضة: عباس لا يُمثّلنا، عباس مش رئيسي، ارحل يا عباس، ومن المفيد التوّقف عند العنوان الأخير (ارحل يا عباس) وهو عنوان الحملة الأخيرة المعارضة لنجيب على السؤال التالي: من الذي يجب أن يرحل؟!.
هذا العنوان والشعار مشروع في ظل الفشل المتواصل في إدارة الصراع مع العدو، فرغم أن مشروع أوسلو بدأ في عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات، فقد كان أبو مازن أحد كبار مهندسيه، وفي عهده تم ترسيخ الاحتلال في الضفة الغربية، وتوسيع مساحة الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين أضعافاً مُضاعفة، والمضي قُدماً نحو تهويد القدس، وفي عهده أصبحت السلطة الفلسطينية مقبرة للمشروع الوطني الفلسطيني، ومُعيقة لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى المتمثلة بالتحرير والعودة والاستقلال، وتحوّلت المرحلة الانتقالية لاتفاقية أوسلو إلى مرحلة نهائية ومحطة أخيرة للحُلم الفلسطيني الوطني، واتخذها العدو جسراً للعبور إلى كل العواصم العربية، وممراً للتطبيع والتحالف مع الأنظمة العربية المهرولة نحو تل أبيب.
هذا العنوان والشعار مشروع في ظل الفشل المتواصل في إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني، فبعد أن قادت حركة فتح النضال الوطني عقوداً من الزمن انتهى بها المطاف في عهده لتكون حزباً لسلطة تحت الاحتلال، واُختزلت في شخص واحد، وانقسمت على نفسها بين تيارين. وبعد أن كانت المنظمة بيتاً وطنياً للفلسطينيين، وحامية للثوابت الوطنية، وقائدة للمشروع الوطني، تعمقت في عهده أزمة شرعية المنظمة، وابتلعت السلطة ما تبقى منها، وهُرس الثوار في طاحونة السلطة، وأصبحت تُستخدم عند الحاجة لتجديد الشرعية المتآكلة بمن حضر من المضمون صوتهم وصمتهم. وفي عهده حدث الانقسام الفلسطيني؛ وكنتيجة لمأزق أوسلو، والتنافس على سلطة تحت الاحتلال، وما تبع الانقسام من مناكفات سياسية وإجراءات عقابية فرضها على الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم في قطاع غزة، مما تسبب في تعميق مأساة ومعاناة الناس في غزة، وبالتالي التأثير على صمودهم فوق أرض وطنهم.
هذا العنوان والشعار مشروع، ولكن ماذا لو رحل السيد محمود عباس فعلاً؟!، هل سيؤدي ذلك إلى حل المشكلة، والخروج من المأزق؟!، إذا كانت المشكلة في السيد عباس فقط ممكن أن تُحل المشكلة ونخرج من المأزق بعد رحيله، ولكن المشكلة أعمق من ذلك، فهي في النظام السياسي الفلسطيني الرسمي القائم على مشروع التسوية، المرتكز بدوره على اتفاقية أوسلو، والنابع من فكر سياسي مبني على مقدمات خاطئة، تفترض إمكانية تحقيق أهدافنا الوطنية ومشروعنا الوطني بالمفاوضات والتسوية المرحلية والتنازل عن ثلثي فلسطين مسبقاً، وهي في مخالفة قوانين حركات التحرر الوطني التي يتم بموجبها تحرير الأرض ثم إقامة الكيان الوطني المستقل وتأسيس سلطة الشعب الوطنية، وبدلاً من ذلك أقمنا سلطة تحت الاحتلال فعجزنا عن إقامة الدولة أو الرجوع إلى الثورة، لذلك فإن رحيل من يقف على رأس هذا النظام السياسي، ومجيء رئيس آخر لن يحل المشكلة أو يخرجنا من المأزق، طالما استمر النظام السياسي محكوماً بسقف أوسلو، ومُقيّداً بالشراكة الأمنية والاقتصادية مع الاحتلال.
الوضع الصحيح هو المُطالبة والعمل على رحيل كل هذا النظام السياسي المشوّه، ابتداءً من تحديد طبيعة المرحلة التي نعيشها كمرحلة تحرر وطني، وتعريف المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرير وعودة واستقلال، ومراجعة الفكر السياسي الفلسطيني للتخلّص من المقدمات التي قادتنا إلى مأزقي أوسلو والانقسام، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون بيتاً للكل الفلسطيني وقائدة للمشروع الوطني الفلسطيني الأصلي قبل التعديل، وإعادة توصيف وظيفة السلطة الفلسطينية لتكون رافداً للمشروع الوطني وداعمة لصمود الشعب فوق أرضه، واستعادة الوحدة الوطنية على أساس التمسك بالثوابت الوطنية ونهج المقاومة، وإطلاق مشروع مقاومة شامل لسحب مكاسب الاحتلال بعد أوسلو، ورفع كُلفة الاحتلال، وتعميق مأزقه الأمني والوجودي على طريق التحرير والعودة.