بقلم: الدكتور علي الدين هلال
كانت إحدى الأفكار الأساسية التي رددها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في زيارته للدول العربية، هي الدعوة الى تأسيس تحالف استراتيجي شرق أوسطي، يضم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن. وركز على الخطر الذي تمثله ايران باعتباره أكثر الأخطار إلحاحا في المنطقة.
وفكرة هذا التحالف ليست بجديدة وإنما طرحتها واشنطن في أوقات سابقة، فبعد اعلان بريطانيا عزمها على الانسحاب من الخليج عام 1967، صرح يوجين روستو وكيل الخارجية الأمريكية في شباط 1969 أن بلاده تسعى الى اقامة تكتل إمني يشمل تركيا وايران وباكستان والسعودية والكويت لحفظ الأمن ضد التهديدات السوفيتية واليسارية. ورغم إعلان أغلب هذه الدول رفضها للفكرة, واستمرار توتر العلاقات بين الدول العربية وايران بسبب تنامي قُدراتها العسكرية بشكل مذهل واحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث في 1971, فقد عملت واشنطن على تحسين العلاقات بين الطرفين. وفي عهد الرئيس نيكسون الذي تولى الرئاسة الأمريكية خلال الفترة بين 1969-1974 زودت امريكا ايران الشاه بالدعم السياسي والعسكري الذي يؤهلها للعب دور شرطي الخليج، لحماية المصالح الامريكية والغربية في المنطقة. وزار الشاه واشنطن في عامي 1968 و1969، وزار نيكسون طهران في 1972. كان جوهر السياسة الأمريكية وقتذاك هو تقليص التزاماتها العسكرية والمالية وذلك بالاعتماد على حلفائها من دول الاقليم.
وبالتوازي مع هذه السياسة، حرصت أمريكا على الاحتفاظ بقدرتها العسكرية على التدخل المباشر إذا تطلب الأمر ذلك. وعلى مدى السنوات التالية ، ازداد الانخراط الأمريكي المباشر فقادت التحالف العسكري الكبير لتحرير الكويت عام 1991، ثم قامت باحتلال العراق في 2003، وكرد فعل لذلك, ظهرت أراء دعت الى وقف التورط الأمريكي في صراعات المنطقة التي تبدو وكأنها لا نهاية لها، وخصوصا بعد ازدياد التكلفة العسكرية والمالية لهذا الانخراط، وعادت فكرة الاعتماد على الحلفاء الاقليميين الى الظهور. ففي عام 2015 دعا الجنرال مايكل فلين رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية السابق أمام إحدى لجان الكونجرس إلى ضرورة إنشاء هيكل دفاعي عربي شبيه بحلف الناتو لمواجهة ايران.
وفي عامي 2016و2017، ترددت فكرة إنشاء ناتو عربي في مطبوعات مركز لندن للدراسات الاستراتيجية وهو مركز للأبحاث في واشنطن, وكان من أبرزها دراسة للجنرال فلين عن مشروع الناتو العربي, وجدير بالذكر أن الرئيس دونالد ترامب عينه لعدة أسابيع مستشارًا للأمن القومي.
وأخذت الفكرة دفعة جديدة في ظل ترامب، وأحاديثه المتكررة عن ضرورة أن يتحمل الحلفاء مسئولياتهم العسكرية والمالية وأن أمريكا لن تحارب نيابة عن أحد ولن تتحمل تكاليف حماية أمن الدول الأخرى، ففي ايار 2017، أشار إلى ذلك خلال اجتماعاته مع القادة الخليجيين والقمة العربية الاسلامية الأمريكية، ووردت أيضا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2018. ويمكن إبداء ثلاث ملاحظات على فكرة الناتو العربي:
الملاحظة الأولى، أن الفكرة تقفز على الواقع الراهن للعلاقات بين دول مجلس التعاون، وتفترض إتفاقا في الرؤى السياسية بينها لا وجود له في الحقيقة ، فهناك ثلاث دول خليجية تفرض مقاطعة اقتصادية وسياسية على قطر وتتهمها بالتدخل في شئونها الداخلية، وهناك سلطنة عمان التي تسلك منهجا مستقلا في سياستها الخارجية، فلم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع العراق إبان حربها ضد ايران ، ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وقامت بدور الوساطة وترتيب مباحثات سرية بين أمريكا وإيران قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015. وهناك قطر التي تجمعها مع ايران علاقات وثيقة, والملاحظ أن ذلك لم يمنع بومبيو من توقيع إتفاقية بين قطر وأمريكا لتطوير التعاون العسكري بينهما في قاعدة العُيديد .
والملاحظة الثانية، أن أمريكا تنطلق من أن الخطر الأساسي للاستقرار في الشرق الأوسط هو السياسات التوسعية الايرانية ، وبينما تعطي هذا الحجم من الاهتمام للخطر الإيراني، فإنها تتجاهل قضايا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، واستمرار الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسعي اسرائيل لضم هضبة الجولان وهي أراض سورية محتلة، وكلها قضايا صدرت بشأنها قرارات دولية واجبة التنفيذ.
ولم يتناول الوزير الأمريكي هذا الصراع في خطابه بالجامعة الامريكية سوى في جملة واحدة موجزة ، ولم يشرح الرؤية الامريكية لحل القضية الفلسطينية والتي تحدث عنها الرئيس ترامب أكثر من مرة دون ان يوضح فحواها.
وللأسف، فان كل المؤشرات القادمة من واشنطن في هذا الشأن هي مؤشرات سلبية ومحبطة. فهل يمكن القول بأن هذا الحماس الأمريكي في العداء لإيران وتعقبها يهدف في الحقيقة الى حماية امن اسرائيل وتمكينها من تصفية القضية الفلسطينية، خاصة وأن بومبيو أقحم في خطابه عبارة تفيد عزم أمريكا على استمرار دعمها العسكري لإسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد النظام العدائي الايراني.
والملاحظة الثالثة، ان هذه الفكرة يكون من شأنها تشجيع سياسة المحاور في المنطقة، بمعنى انها تقتصر على مجموعة من الدول العربية دون غيرها ولا تفتح الباب أمام مشاركة دول عربية أخرى. ويدعم ذلك الانقسامات بين البلاد العربية بشكل مؤسسي وصريح.
ومن أكثر جوانب هذه الفكرة مدعاة للتحفظ هو شبهة تضمينها بعدا مذهبيا أو دينيا، فكما تذكر وسائل الاعلام الامريكية ان الهدف هو إقامة محور سني في مواجهة محور شيعي.
ويثور السؤال حول ما إذا كان معارضة السياسات الايرانية عنصرًا كافيًا لإقامة تحالف استراتيجي, وماذا يحدث اذا تغيرت السياسة الامريكية تجاه ايران وحلت خلافاتها معها؟ إن أي تحالف استراتيجي أو عسكري بين دول عربية هو أمر مرحب به، طالما انطلق هذا التحالف من المصالح الوطنية والقومية لها. وقد كان موقف مصر الثابت هو السعي لتكوين موقف عربي متماسك، واذكر انه في حفل تخريج ضباط بالكلية الحربية في 1998 ان المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع آنذاك صرح بأن مصر تطالب بإنشاء كتلة عسكرية عربية لمواجهة التحديات التي تواجه العالم العربي.
واتصور ان الطريق الصحيح هو إحياء فكرة القوة العسكرية العربية المشتركة التي اقترحها الرئيس السيسي عام 2015.
...عن «الأهرام» المصرية