Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

المصالحة الفلسطينية ليست أولوية

منير شفيق

البعض يعتبر أن المصالحة الفلسطينية هي الأولوية الفلسطينية في هذه المرحلة، وذلك انطلاقاً مما أطلق من تقدير مبالغ فيه بالنسبة إلى ما وقع، وما زال واقعاً، من انقسام فلسطيني. وقد وصل هذا التقدير إلى اعتبار الانقسام واستمراره لأكثر من اثنتي عشرة سنة بمثابة الكارثة. وهي التي عادت على الوضع الفلسطيني إلى ما يعانيه من سلبيات. بل هذا التقدير للموقف، لا يعتبر أن ثمة إيجابية واحدة أنجزت في ظل هذا الانقسام. ومن ثم الويل لكل من يرى في الانقسام أية إيجابية.

لكن ماذا يعمل هذا التقدير للموقف عند مراجعة الأوضاع في كل من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، إذ يجد أمامه موضوعياً، أراد أو لم يرد، جملة من الإيجابيات وأنف الانقسام راغم.

انتصارات المقاومة

ماذا يقول في الانتصارات التي حققتها المقاومة المسلحة ومعها الشعب في قطاع غزة، في إنزال الهزيمة بجيش الكيان الصهيوني في ثلاث حروب: في 2008/2009 و2012 و2014. وذلك حين شن عدواناً عسكرياً في الحروب الثلاث مستهدفاً المقاومة وسلاحها وأنفاقها. وقد فشل في تحقيق ذلك. وقد راحت المقاومة تضاعف من سلاحها وأنفاقها وقواتها المقاتلة وخبراتها العسكرية والتقنية والقتالية. ووصلت الآن ، كما كشفت المواجهة الأخيرة، إلى فرض قاعدة اشتباك: الصاروخ مقابل صاروخ، والرد عسكرياً على الصاع صاعيْن. وهو ما كرسه اتفاق وقف النار الأخير، كما الذي قبله، والذي قبله.

وبعد، فإن لم يكن هذا التطور إيجابياً فما هو الإيجابي بمقاييس الصراع الفلسطيني ـ الصهيوني، وفي أخطر أبعاده: البُعد العسكري.

ثم ماذا يقول التقدير الذي لا يرى في الوضع الفلسطيني إلاّ السلبيات بسبب الانقسام، حين تستمر انتفاضة مسيرة العودة الكبرى على زخمها طوال ثمانية أشهر تقريباً. وقد تخللها إطلاق طائرات ورقية، وبالونات، تحمل الواحدة منها شعلة من نار أحرقت آلاف الدونمات، وعدداً من الممتلكات، طوال أشهر متواصلة. وقد فشل الجيش الصهيوني في وقفها سواء أكان بتهديداته العسكرية أم ببعض العمليات العسكرية. ولم يعد أمامه غير اجتياح قطاع غزة وهو ما وقف عنده متردداً إن لم يكن عاجزاً، أو إن لم يكن مضطراً على عدم الرد بسبب أولويات أخرى في الجبهتين اللبنانية والسورية.

بعد، فإن لم يكن إيجابياً استمرار مسيرات العودة الكبرى، وعدم توقف الطائرات الورقية والبالونات حاملات اللهب، وصولاً إلى تخفيف الحصار عن قطاع غزة، فما هو الإيجابي بمقاييس الصراع مع الكيان الصهيوني؟

صحيح أن الانقسام بحد ذاته سلبي. ولكن تحقق ما أُشيرَ إليه أعلاه، بالرغم من تلك السلبية، وقد أثبت أنها سلبية لم تمنع من تحقيق إيجابيات. ومن ثم لماذا كل هذا التهويل لها؟ ولماذا تصبح أولوية وقد فشلت كل محاولات إنهائها؟

بل حتى على مستوى الضفة الغربية، فقد أثبتت سلبية الانقسام بأنها لا تمنع من أن تخرج إيجابيات في ظلها. ولعل أولى الإيجابيات اندلاع الانتفاضة الشبابية الفردية العفوية منذ 1/10/2015 إلى اليوم، مع حاضن شعبي عبرت عنه أمهات الشهداء والشهيدات وهن يستقبلن نبأ استشهادهم أو وصول جثامينهم. وبالمناسبة أغلبية شهداء هذه الانتفاضة الشبابية حوّلت جثامينهم إلى الانتقال بثلاجات 40 درجة تحت الصفر، والسبب بالطبع الخوف من المشاركة الجماهيرية الواسعة بجنازاتهم.

الانتفاضة ضد البوابات الإلكترونية

ثم أضف الانتصار الذي حققته جماهير القدس بانتفاضتها الشعبية السلمية ضد البوابات الإلكترونية والكاميرات خلال أربعة عشر يوماً. وكان ذلك في شهر تموز/يوليو 2017. ثم انتصار تصدي أهالي الخان الأحمر مع مئات من المناصرين الأجانب ومن المشاركين من القدس والضفة الغربية. وذلك في فرض التراجع المذل على حكومة نتنياهو التي أمرت بوقف تنفيذ هدم بيوت الخان الأحمر وتهجير أهله.

إن لم يكن استمرار الانتفاضة الشعبية العفوية منذ 1/10/2015 إلى اليوم إيجابياً، وإن لم يكن انتصار الانتفاضة الشعبية المقدسية ضد البوابات الإلكترونية إيجابياً، وكذلك الانتصار في معركة الخان الأحمر إيجابياً، فما هو الإيجابي في الصراع ضد الاحتلال والاستيطان بالرغم من استمرار التنسيق الأمني الذي تمارسه سلطة رام الله، وبالرغم من استمرار سياسات عباس المناهضة لكل انتفاضة ومواجهة صدامية.

وبعد، فها هنا أيضاً لدينا وقائع تؤكد أن سلبية الانقسام لم تمنع من تحقيق إنجازات وانتصارات جزئية.

فشل التسوية

وثمة إيجابية تحققت في ظل سلبية الانقسام جاءت بصورة غير مباشرة، تمثلت بفشل سياسات التسوية التي مثلتها سياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

إن فشل سياسة "حل الدولتين" التصفوي يجب أن يُرى "إنجازاً" إيجابياً لم تمنعه سلبية الانقسام في الضفة الغربية والقدس.

لهذا يجب أن يراجع موقفه كل من بالغ في الحديث عن سلبية الانقسام إلى حد لم يعد يرى معه ما تحقق من إنجازات وانتصارات في قطاع غزة وما تحقق من إنجازات وانتصارات بصورة مباشرة، وغير مباشرة في الضفة الغربية والقدس.

لقد أثبتت التجربة أن الانقسام القائم بين فتح وحماس هو انقسام سياسي واستراتيجي وموضوعي. فهنالك السياسة والاستراتيجية التي يمثلها الرئيس محمود عباس وحركة فتح، وهنالك السياسة التي تمثلهما حماس والجهاد، وأصبحت لاحقاً تمثلها الهيئة العليا لمسيرة العودة الكبرى وغرفة العمليات المشتركة التي تضم حماس والجهاد والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والفصائل الأخرى في غزة. أما موضوعياً فهنالك ما هو قائم من وضع في الضفة الغربية بما يمثله التنسيق الأمني المعيب والعار، من جهة، وهنالك ما هو قائم من وضع تمثله غرفة العمليات العسكرية المشتركة والهيئة العليا لمسيرة العودة الكبرى من جهة أخرى.

الانقسام السياسي والاستراتيجي والموضوعي غير ممكن الحل إلاّ من خلال حالتين: الأولى المصالحة على أساس غلبة أحدهما، وهذا غير ممكن حتى الآن. وهو السبب الذي أفشل كل محاولات المصالحة. لأن موقف محمود عباس أن تقوم المصالحة على أساس سياسته واستراتيجيته ويصبح وضع غزة تحت اتفاق التنسيق الأمني كما هو الحال في الضفة الغربية.

أما الحال الثانية فهي إيجاد نقاط يمكن أن تكون مشتركة مع استمرار كل طرف في سياسته واستراتيجيته ووضع إقليمه. ولكن هذا الحل يصبح أقرب إلى فك الاشتباك ونزع فتيل المواجهة العدائية. ولكن سلبيته الأساسية هو بقاء الوضع القائم في الضفة الغربية أي استمرار الاحتلال والاستيطان كما استمرار سياسات تهويد القدس. وها هنا الخطر الأكبر ومن ثم ما يستحق أن يكون له الأولوية. الأمر الذي يوجب التخلي عن إعطاء الأولوية للمصالحة. لأن الأولوية هي في مواجهة الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس.

عندما يتفق على أن الأولوية هي لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات من الضفة الغربية وتحرير القدس، بلا قيدٍ أو شرط.، يصبح بالإمكان أن يبقى القطاع على وضعه مع فك الحصار، فيما تتحقق وحدة وطنية تشمل كل الفصائل بما فيها فتح تضع لها هدفين لهما الأولوية في هذه المرحلة هما دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات من القدس والضفة الغربية. وذلك من خلال تبني استراتيجية الانتفاضة الشعبية السلمية الشاملة التي لا تتوقف إلاّ بتحقيق دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات كما حدث في قطاع غزة. وعلى العالم كله أن يدعم هذه الانتفاضة، وهو يسلم بعدم شرعية الاحتلال واعتبار الاستيطان جريمة حرب، ولا أهمية لشروط إدارة ترامب المعزولة في هذين الأمرين.