ريما كتانة غزال
«سبعة أبطال في عين اللي ما بيصلي على النبي... الأسرى ناصر ونصر ومحمد وشريف وجهاد وإسلام، سابعهم الشهيد عبد المنعم». اتبعت السيدة نهج المثل الشعبي القائل: «كل شبر بنذر». رضعوا حرّ الحليب، لقمتهم الأكل الفلسطيني المُشبَّع «بفيتامين» وطن.
شهيد وستة أسرى، هم أبناء وثروة الحاجّة «أم ناصر» أبو حميد. العائلة لا تلتقي مجتمعة إلا في السجن، في «الفورة»، أو من خلال القضبان. أربعة من الأبناء محكومون بالسجن المؤبد، بينما جهاد وإسلام موقوفان في السجن، دائمو الحركة. أما «عبد المنعم» فمنذ خروجه الأخير من البيت، لم يعد. والأرجح أنه لن يفعل؛ حيث فضّل الاستقرار في بيت الخلود.
أم ناصر تقوم بدور البطولة الحصرية للمسلسل الطويل. تظهر دائما وهي تتنقل من سجن إلى سجن، بين ابن وابن. وبين اجتياح وآخر للمخيم يُلقي الاحتلال على السيدة السلام على طريقته المعتادة، تدمير المنزل. «أم ناصر» باقية في المخيم، ولا تستعرض بطولاتها رغم أنها حصرية. اعتاد المخيم على سماع ضجيج الدبابيس لدى خروجها إلى الشارع.
أم ناصر، قصة شفهية بألوان ممزوجة بالأحمر والأبيض والأسود والأخضر. السيدة لا تغمس ريشتها إلا بالألوان الأربعة. لسانها لا ينطق إلا بالشهادتين، لله والوطن. لا يمكن تأويل كلامها المليء بالألغاز والرسائل.
لذلك وعطفا على ما سبق، المواصفات الخاصة والعامة، يقرر الاحتلال مطاردة حليبها ورحْمِها وجدرانها وأزقتها المفضلة، والتلصص على ألوانها وبيتها ولسانها وذاكرتها وطعامها وشرابها. لغاية الآن وحسب المراقبين وملفات الاحتلال السريّة لا يمكن القبض على «أم ناصر»، حتى في لجوئه إلى تفخيخ جدران بيتها للمرة الثالثة، ولم ينجح في كيّ وعيها، بقي وجهها يلبس الحجر. «أم ناصر» لا تنهار لانهيار بيتها.
«أم ناصر» كالجبل، تمثال من شموخ وأنفة. في الحجيج الهادر باتجاه أطلال بيتها، اتخذ زاوية مكتظة في محاولة لقراءة سطح الشمع. احتفظت السيدة بتحكمها في مشاعرها. بُركانها لم يلفظ ما فيه من جمر اللعنات والحسرة والنقمة. كل ما التقطته «أنتيناتي» دون أي إسقاطات رغائبية، عيونها الشاخصة نحو الفضاء العام، نحو مهرجان الألوان الباهتة في الخارج، ألوان الخلاف والاختلاف. حيث البلد ليس بلدا. ولا الوطن وطنا.
«أم ناصر» مُقِلّة في تصريحاتها، ليست ناطقة باسم أحد، لو تسنى لها أن تتحدث لقالت لنا بفصيح لسانها: أنتم لا تعملون بالممكن، تعملون أقل من الممكن إزاء الحالة الانقسامية. أنتم لا تعملون بالممكن، تقومون بأقل من الممكن إزاء الاحتلال.
بقيت أم ناصر على أطلال بيتها، تُصارع واقع ألمها كثيرا، كان ألما جارحا وطازجا دائما، اعتادته شيئا فشيئا، صار بعضا منها وصارت بعضا منه. لا خيار أمامها سوى أن تختاره للعيش، ما زالت تقول: إنه اختيار إنساني وإنه جدير بالتجريب، ما عاشت.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية