Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

في ذكرى "خرافة" تقسيم فلسطين

828112016020248.png

عبد الله الأشعل

في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، استصدرت الولايات المتحدة بصعوبة قرارا يقضي بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب، ومعنى ذلك أننا في كل عام نردد حوقلات وبسملات وجلدا للذات بسبب موقف العرب من هذا القرار. ويهمني في هذه المقالة أن أطلع الأجيال القادمة على حقائق هذا الموضوع.

الحقيقة الأولى: هي أن المشروع الصهيوني كان كاملا في تخطيطه، ولكنه استغل الفرص للاستفادة أو خلق عوامل النجاح. وأهم عوامل نجاح المشروع هو اختراق الطرف العربي وإضعافه، وتسخير المستعمر لتمكين اليهود من فلسطين.

الحقيقة الثانية: هي اعتماد المشروع الصهيوني على مذهب التقية، أي الإخفاء والتمويه والتدرج في تحقيق الأهداف الثابتة بوسائل وأساليب متغيرة، وانتهاج المرونة الكاملة في تغيير الأولويات وتقييم الإنجاز.

الحقيقة الثالثة: هي أن المشروع أعتمد على السرية والمقايضة مع الحكام العرب، بمعنى فتح القنوات وتوريط الشخصيات وخلق المنافع المشتركة، والإسهام في تحقيق هذه المنافع للحكام مقابل التغاضي عن المشروع أو دعمه.

الحقيقة الرابعة: هي الإيهام بالتراجع والتنازل، ولكن الوضوح التام في إعلان الأهداف؛ حتى لا يصدق العرب ذلك لفرط غرابتها واستحالتها، ولذلك وقع العرب والعالم في وهم كبير أطلق عليه "قرار تقسيم فلسطين"؛ فاليهود يعرفون جيدا أنهم يريدون كل فلسطين، ولكنهم آثروا أن يحصلوا على هذا الهدف خطوة خطوة، وهو منطق القصة المشهورة حول القرد وبائع الجبن، حيث أكل القرد كل الجبن دون أن يشتري شيئا؛ لأنه أصر على أن يوزن الجبن بالجبن، فإذا رجحت كفة أكل منها ثم يأكل من الكفة الأخرى، حتى نهاية الجبن.

وقد انقسم العالم العربي حول قرار التقسيم حتى اليوم، رغم أنه أدى وظيفته وانتهى بعد أن أريقت دماء عربية في صراعات فارغة واتهامات مؤلمة. وكان ذلك مقصودا، حيث اعتمد المشروع الصهيوني أن يصفي الخصوم العرب والمسلمون بعضهم بعضا؛ حتى تظل إسرائيل.

والحق، أن قرار التقسيم لم نكتشف أنه أسطورة إلا بعد إظهار إسرائيل لمصطلح آخر، وهو الدولة اليهودية، وانشغلنا في مناقشات قانونية حول القرار، ولا نزال نلعنه كلما حانت ذكراه، وهي الذكرى التي سماها العرب ذكرى النكبة، بعد تجسد القرار في قيام إسرائيل على الأرض، رغم أن قرار التقسيم كان بداية مرحلة جديدة بعد استكمال أدوات إنضاج المشروع الصهيوني. وكما قال أبا أيبان يوم صدور القرار، فإنه اعتراف من المجتمع الدولي بأن اليهود كانوا في فلسطين، ولا يهم المساحة التي خصصها القرار لهم.

والطريف أن العرب لا يزالون يجلدون أنفسهم ويتهمون الأوائل بأنهم رفضوا القرار، بل ويؤرخ كتابهم ويتفلسفون بأن الصراع هو مجال الفرص الضائعة، والفرص هي التسوية السياسية. وهذه أيضا من الخرافات.. ومن الخرافات أيضا الحل على أساس دولتين، وقد صدم الرئيس ترامب البعض عندما جاهر بالحقيقة، والتي كشفت أن الأوضاع ترتبت في الواقع تسمح بعد اعتماد إسرائيل على القوة أحيانا والخديعة أحيانا، والاختراق في معظم ا?حيان.

الحقيقة الخامسة: هي أن أسطورة التقسيم تلتها أساطير وأوهام أخرى، وأهمها اعتقاد البعض بأن السلام العادي ممكن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن الأراضي التي استولت عليها إسرائيل أراض محتلة. وقد تكشف أن الغرب يعرف حقائق المشروع الصيوني، ولكنه يتظاهر بالتمسك بالقانون والقرارات التي استخدمت للتغطية على مراحل المشروع. ومن بين هذه الأساطير، القرار 194 الذي صدر في كانون الأول/ ديسمبر 1948 ويؤكد حق العودة للفلسطينيين إلى أراضيهم أو تعويضهم بعد أن قامت إسرائيل وبعد صدور ا?علان العالمي لحقوق الإنسان

الحقيقة السادسة: وهي الأساطير القانونية التي وظفت لخدمة المشروع والتي لا بد من دراستها وتناقل المعارف بشأنها في إطار ملحمة كل العصور. ومن الأساطير القانونية، مفاوضات السلام ومشروع ترامب للسلام؛ الذي يضع النقاط النهائية على المشروع الصهيوني ويضع حدا للصراع بين القانون والقوة.

فإذا كان قرار التقسيم أسطورة تبعته أساطير سياسية وقانونية كثيرة، فإن ذلك لا يعني صرف النظر عن المعركة القانونية مع إسرائيل، ولكن الأهم منها هو التواصل مع الحكومات الأوروبية والعربية لكشف عورات حكوماتها، وتحصين وعي الشعوب العربية بأنهم أمة واحدة، وبأنهم يتعرضون لخديعة مستمرة، وأن بلادهم تضيع بسبب الاختراق الصهيوني وقهرهم مع حكامهم على قبول الواقع الذي تفرضه. ولا يزال العرب والفلسطينيون في معارك حول أوسلو وغيرها، وكلها محطات للمشروع الصهيوني.

الحقيقة السابعة: هي أن إسرائيل تمكنت من الانفراد بالفلسطينيين، وفي النهاية لم يبق سوى الصمود الفلسطيني الذي كشف زيف المؤرخين العرب حول الأدوار العربية في القضية الفلسطينية.

الخلاصة أن المشروع الصهيوني تصور مكتمل منذ البداية، ولكنه يطبق بالتدريج وبأدوات متعددة، أهمها استثمار القوة العسكرية في اختراق الدول العربية والاستعانة بالولايات المتحدة التي وقفت بثبات مع المشروع، وعلى الجانب الآخر، تظاهرت بالخديعة لبيع الوهم وشق الصف العربي والفلسطيني.