Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

انحياز ترامب المطلق للاحتلال وأكذوبة السلام!!

بقلم: الدكتور محمد السعيد إدريس

كم كان لافتا ومثيرا، في آن واحد تلك الفجوة الواسعة جداً في إدراك قطاعات إسرائيلية وعربية واسعة لما تعنيه التصريحات، التي يمكن وصفها مؤقتاً بـ «عابرة المعاني» ونقصد مختلطة المعاني بين الجد والهزل، بين المؤقت والمستمر وربما بين التكتيكي والإستراتيجي، التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقائه رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهي التصريحات التي تخص ما ورد من إشارة، للمرة الأولى، على لسان ترامب إلى «حل الدولتين» للقضية الفلسطينية. فالرئيس الأمريكي يؤكد بأقواله وأفعاله أنه وإدارته مسخران للانتصار للمشروع الاسرائىلي على أرض فلسطين وأنهما يخدمان ما يريده الإسرائيليون وبالذات اليمين اليهودي المتطرف وزعماء الاستيطان، وهؤلاء هم من أصدروا «قانون القومية» الذي يتعامل مع أرض فلسطين التاريخية بأنها «أرض للشعب اليهودي وحده ودون منافس»، وهم يتعاملون مع الفلسطينيين أصحاب هذه الأرض بأنهم «غرباء»، ويرون أن «التوطين هو الحل» لإنهاء ما يُعرف بـ «حق العودة» للاجئين الفلسطينيين لأنهم يؤمنون فقط بـ «حق العودة» لكل يهودي يقيم في أي دولة في العالم بالعودة إلى دولته «إسرائيل».

مشروع ترامب وإدارته، وبالذات فريقه لإدارة ما يسمونه بـ «الأزمة الإسرائيلية- الفلسطينية» وآخرون من رموز الإدارة وقادة الكونغرس والمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة يتطابقون في الرؤية مع هذا اليمين الإسرائيلي المتطرف بخصوص حل الأزمة الإسرائيلية - الفلسطينية بعيدا تماما عن القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي التي تنظم إدارة المناطق الواقعة تحت الاحتلال. آخر اجتهادات هذا الفريق هو الاقتراح الذي كشفه، أو بالأحرى فضحه، الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقاء جمعه مع وفد يمثل حركة «السلام الآن» الإسرائيلية في رام الله وسرَّبت تفاصيله إلى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية وهو الاقتراح الذي عرضه فريق التفاوض الأمريكي الثلاثي الذي يضم «جاريد كوشنر صهر ترامب وجيسون جرينبيلات مبعوث ترامب للشرق الأوسط وديفيد فريدمان» السفير الأمريكي في القدس، على الرئيس الفلسطيني، ويقضي بخلق كيان دولي جديد يضم الأردن والضفة الغربية، (كونفيدرالية أردنية - فلسطينية) على أن تضم إسرائيل القدس المحتلة وكل المستوطنات المقامة على الضفة الغربية إليها، أي ضم ما سيتبقى من أراضي الضفة إلى الأردن ضمن صيغة «الكونفيدرالية»، وتجاهلوا تحديد علاقة قطاع غزة بهذه الكونفيدرالية: هل سيضم إليها، أم سيستقل بذاته «دولة غزة» أم ستؤول إدارته إلى مصر.

أبو مازن رفض هذا الاقتراح وتعمد الاستهزاء بهم وطرح بديلاً له إقامة كونفيدرالية ثلاثية تضم إسرائيل مع الأردن وفلسطين، وهنا لم يجد هؤلاء رداً إلا التهديد بأنه ليس أمام الفلسطينيين إذن إلا الحكم الذاتي في المناطق الواقعة خارج نطاق المستوطنات التي ستضم إلى إسرائيل.

لذلك كان غريبا «الكلام» الذي أدلى به الرئيس الأمريكي بترجيحه لفكرة «حل الدولتين»، ثم مداعبته صديقه نتنياهو بـ «إما حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة» في إشارة إلى خطورة رفض حل الدولتين لأن «حل الدولة الواحدة» يمكن أن يفرض نفسه حتماً بكل مخاطره التي ستحوِّل إسرائيل إلى «دولة ثنائية القومية» بدلاً من أن تصبح «دولة يهودية خالصة» وبخطر التفوق العددي المستقبلي للفلسطينيين في هذه الدولة التي يمكن أن تكون عربية وليست يهودية بعد عقود قليلة من الزمن. لذلك تظاهر ترامب بإعلان دعمه لحل الدولتين قائلاً: «أعتقد أنه الحل الأنجح، هذا ما أشعر به».

وكان تعليق نتنياهو الفوري هو الاكتفاء أولاً بشكر ترامب لدعمه وقراره الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، معتبراً أن العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية لم تكن أبداً كما هي عليه في ظل إدارته، ثم، أعلن بعد نهاية اللقاء أنه «لم يفاجأ بتفضيل الرئيس ترامب لـ (حل الدولتين)» لكنه استدرك بأن «على الدولة الفلسطينية المستقبلية أن تكون منزوعة السلاح، وأن تعترف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي».

ثم نقلت عنه صحيفة «هآرتس» قوله إن «إسرائيل يجب أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية من غرب الأردن حتى البحر المتوسط»، وهذا يعني فلسطين كلها بما فيها الأرض المقترحة للدولة الفلسطينية، وقال «أنا مستعد لأن يكون للفلسطينيين سلطة لحكم أنفسهم من دون أن تكون لهم السلطة لإيذائنا».

وهذا معناه أن كل ما عند نتنياهو من حل هو «الحكم الذاتي» وأن كلاً من حل الدولتين وحل الدولة الواحدة مرفوضان مطلقاً وحتى هذا الحل، أي الحكم الذاتي، مؤجل، من وجهة نظر نتنياهو لحين تطبيع العلاقات الإسرائيلية- العربية، وفق تصريح أدلى به مع «الإذاعة العامة الليتوانية» (27/8/2018) أشار فيه إلى أن «العديد من الدول العربية ترى إسرائيل كحليف لا يمكن الاستغناء عنه في التصدي للعدوان الإيراني»، موضحاً «اعتقد أنه إذا كان لدينا سلام مع العالم العربي الأوسع فسيساعد ذلك في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين». نتنياهو ليس وحده من يرفض مقترحات أو تصورات أو حتى «مداعبات» ترامب، بل يرفضها أيضاً أركان إدارة ترامب بدليل قيام كل من جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي وديفيد فريدمان السفير الأمريكي في القدس بتفنيد ورفض ما سبق أن ورد في تعليق سابق جاء على لسان الرئيس الأمريكي طالب فيه إسرائيل بـ «دفع ثمن حصولها على القدس» حيث قال «إننا أزحنا القدس عن طاولة المفاوضات ولم تعد قضية يفاوض عليها» وأضاف «آن الأوان لكي تدفع إسرائيل ثمن ذلك»، ورد عليه جون بولتون من داخل إسرائيل نفسها بقوله «إن نقل السفارة لم يستهدف أبداً الحصول على تنازلات من إسرائيل».

تصريحات بقدر ما تحمل من تطمينات للإسرائيليين الذين أصابهم الذعر والهلع من تصريح ترامب بخصوص حل الدولتين بقدر ما تحمل من صفعات لكل هؤلاء الذين يتهافتون على أي فرصة لتجميل كل الوجوه القبيحة سواء كانت أمريكية أو إسرائيلية أو عربية، التي مازالت تروج لأكذوبة «السلام» مع الاحتلال الاسرائيلي، وتتغنى بأهازيج الفرص التي تراها سانحة لسلام يرضى الصديق الإسرائيلي بقدر ما يحفز على تطبيع العلاقات معه على صدى من «تجارة الأوهام».

... عن «الأهرام» المصرية