صحيح أن نقطة إيجابية في مصلحة القضية بدأت تلوح في الأفق، خلافاً للمسيرة المأساوية لهذه القضية منذ سنوات طويلة، وهي اقتراب وصول مساعي المصالحة الفلسطينية بين «فتح» و«حماس» إلى مشارف إيجابية لأول مرة منذ سنوات طويلة.
غير أن ميزان القوى في المسيرة التاريخية لهذه القضية ما زال يحمل من الإشارات السلبية، أكثر بكثير من هذه النقطة الإيجابية التي لا تبدو وازنة في الإيجابيات، في مقابل النقاط السلبية الكثيرة والمعقدة والثقيلة الوزن.
فأمامنا مصير هجمة جون كيري التي انطلقت منذ أشهر في إعلان أميركي على حتمية إيجاد حل نهائي للقضية هذه المرة، وهي هجمة ديبلوماسية بدت وكأنها تفرض نفسها على الطرفين العربي والإسرائيلي بالقوة نفسها، والاتجاه نفسه.
لكن الذي حصل مع وصول هذه المبادرة الأميركية السريعة الطلقات، أن الفشل قد رافق كل خطواتها، وهو ما أدى إلى مزيد من التورط الفلسطيني في مفاوضات لا طائل منها، لأنه يخوضها بلا أي ورقة للقوة (فلسطينية أو عربية) بين يديه، ومزيد من الاندفاع الإسرائيلي في مخططات التهويد والاستيطان.
صحيح أن الجانب الفلسطيني قد سجّل في حفل الإنجازات التفصيلية الإيجابية، تفصيلاً جديداً بالانتساب إلى عدد من المنظمات الدولية أخيراً، والتي يمكن للحق الفلسطيني آن يظهر من خلالها آنصع بياضاً، وأعلى صوتاً، لكن الجانب الإسرائيلي مضى، في الجهة المقابلة، إلى التمسك بتفصيل سلبي شديد الأهمية والعمق والقوة، على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي أطلق مؤخراً تمسكه بإصدار قانون يؤمن الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، باعتبارها الدولة القومية لليهود. وهذه الخطوة اذا تمت، لأن لا قوة تبدو قادرة على وقفها، من شأنها أن تضع نقطة نهائية للقضية الفلسطينية في هذه المرحلة الحالية من الصراع، إن لم يتعد مفعولها الحدود ليضرب المراحل القادمة من مسيرة الصراع.
يتم كل ذلك بسرعة مذهله، في مواجهة تبدو منعدمة التكافؤ إلى أبعد الحدود، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ففي مقابل الثبات في صلابة تمسك كل الأنظمة السياسية الدولية الفاعلة بالمشروع الصهيوني، كما يرسمه أصحابه ويخططون له، يبدو الجانب الفلسطيني في ذروة التخلي العربي عن قضية فلسطين، وكأنها من القضايا السياسية التي تتفاعل بعيداً عن المنطقة العربية.
صحيح أن هذا التراجع قد لا ينطبق بالدرجة نفسها على مواقف الشعوب العربية من جوهر القضية الفلسطينية، فكل الشعوب العربية ما زالت تعتبر الكيان الصهيوني مشروعاً استعمارياً خارجياً، لضرب احتمالات تماسك أقاليم الوطن العربي، وتشديد مسيرتها نحو أشكال عصرية من الاتحاد والتكامل، لكن الأنظمة العربية ذهبت بعيداً في التخلي عن أي دور في مسيرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
فبالإضافة إلى ارتباط دولتين حدوديتين بمعاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، حتى وهو يسعى إلى تصفية نهائية لعروبة فلسطين وإلغاء شعبها بتفتيته وتشتيته (مصر والأردن) فإن عدداً وافراً من الدول العربية ذات الوزن السياسي والاقتصادي المحترم، قد أدخلت نفسها في تفاصيل من العلاقات تحت السطح مع الكيان، قد يكون بعضها، أو كلها، أشد فاعلية من اتفاقية علنية وصريحة «للسلام».
أما مصر، كبرى الدول العربية، التي أخرجها أنور السادات من الصراع باتفاقيات «كامب دافيد»، فهي غارقة إلى سنوات على ما يبدو في استعادة توازنها في خضم مشاكلها الداخلية الموروثة عن عهدي السادات ومبارك، ولا شيء يؤكد في هذا المجال متى يجيء دور فلسطين، في استعادة مصر لتوازنها الداخلي والخارجي.