Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

اسرائيل واللغة العربية.. مجدّداً

rrrrr.jpg

معن البياري

ألغى القانون الذي اشتُهر أخيراً باسم "قانون أساس.. إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" مكانة اللغة العربية وصِفَتَها لغةً رسميةً ثانية، وأعطاها "مكانةً خاصةً"، في سلوكٍ عدوانيٍّ تجاه أصحاب الأرض الأصليين الذين تسمّيهم أدبيات دولة إسرائيل "أقليةً كبيرة"، لم يأت مفاجئاً، إذ يتّسق تماما مع العنصرية الوفيرة في القانون نفسه، ومع الاستهداف المتواصل ضد ثقافة هؤلاء الفلسطينيين، وقوميّتهم العربية، وانتسابهم الوجداني والحضاري إلى أمتهم، ذلك أن الدولة العبرية (اليهودية بحسب صفتها الدستورية حاليا) لم تتوقف يوما عن ابتكار وسائل وطرائق وسياساتٍ متنوعةٍ في هذا الغرض. وإذا كانت العدوانية المُشرعَنة في القانون الدستوري الإسرائيلي المستجد ضد اللغة العربية غير مفاجئة، فإن خبرا ذاع متصلا بهذا الأمر يقدّم شاهدا مضافا على أن مسألة مكانة اللغة العربية ليست ثانويةً، ولا تفصيلا، في التدبير الإسرائيلي، وإنما هي في جوهر الصراع القائم مع سلطة الأمر الواقع، المجسّدة في دولة إسرائيل، والخبر أن نتنياهو هدّد بحلّ الحكومة (ائتلاف يميني عنصري)، وتقديم الانتخابات العامة، إذا جرى أي تعديلٍ في النص الذي يلغي مكانة اللغة العربية رسميةً ثانيةً، وذلك في معرض ردّه على نائبٍ عضو في لجنة الكنيست التي صاغت قانون القومية ذاك، لمّا حاول منع هذا الإلغاء، استجابةً لاعتراضات نوابٍ عرب.

إنها، إذن، واحدةٌ من جولات الحرب المكشوفة التي تتوسّلها إسرائيل ضد ارتباط الفلسطينيين المرابطين في أرضهم، ووطنهم، بأمتهم، واللغة (أي لغة)، في واحدةٍ من وظائفها، هي العامل الموحّد الأهم للأمة. لم تفطن إسرائيل لتقصّد لغة هؤلاء الناس في قانونها العنصري الجديد، بل هو مسارٌ واظبت على انتهاجه، عندما لم تحترم، في حالاتٍ غير قليلة، المرسوم المعمول به (قرار ملكي انتدابي بريطاني صدر في 1939)، والذي يقضي بأن تُنشر بالعبرية والعربية جميع الأوامر والإعلانات الرسمية والاستمارات الرسمية للحكومة، و... . وقد نشطت فاعلياتٌ عربيةٌ، مشتغلةٌ بالكفاح السياسي والهم الثقافي، من أجل حماية اللغة العربية من أخذها إلى الهامش، ورفعت دعاوى قضائيةً في هذا الخصوص، بصدد الامتناع عن حضور اللغة العربية في اللافتات مثلا، في سياق سياساتٍ لغويةٍ تتعمّد إقصاء العربية، وإضعاف وجودها في الفضاء العام، كما في استبدال الأسماء العربية للطرق والقرى والبلدات بأسماء عبرية، سيما مع ازورار كثيرين من اليهود الشرقيين من أصولٍ عربيةٍ عنها، وعدم حماسهم لتعلّمها، لدى الشباب منهم خصوصا، والذين ينشدّون إلى الخطاب الهوياتي اليميني العنصري عموما.

وفي تفاصيل حال اللغة العربية في الوعي الإسرائيلي الحاكم أن موضوعها أمنيٌّ أيضا (هل ثمّة ما هو غير أمني هناك؟)، ومن ذلك أن حزب الليكود يعارض بشدة تدريس العربية في مدارس الإسرائيليين، بزعم أنها تمثّل خطرا. ولمّا تقدم نائبٌ ليكوديٌّ في الكنيست، قبل عامين، باقتراح سن قانونٍ بإلزامية تدريس اللغة العربية للطلاب الإسرائيليين في مقابل إلزام تدريس العبرية للطلاب العرب، كان دافعه أن المواطن الإسرائيلي يخاف من سماع شخصٍ يتكلم العربية في مكان عام (!).

فشل صنّاع دولة الاستيطان والنهب، والتي شرعنت قوميتها اليهودية (!) أخيرا، في التأثير على وجدان الفلسطينيين، أهل الأرض، الموحّد في انتسابه إلى الأمة العربية التي تجمع أشتاتَها اللغةُ العربية، بما هي محمولٌ فكريٌّ وثقافيٌّ وحضاريٌّ، وليست مجرد تعبيراتٍ ومفرداتٍ. وهنا مناسبةٌ لتوجيه تحية إجلالٍ كبيرة إلى الصامدين الذين واجهوا سياسات التنكيل بلغتهم وثقافتهم، بقصد تهميشهما، وإضعاف مكانتهما في الفضاء الوطني الفلسطيني العام. وقد عملوا، ضمن تشكيلاتٍ وتجمعاتٍ ونوادٍ وروابط ومنتدياتٍ ومؤسساتٍ وهيئاتٍ ثقافية عديدة، من أجل ربط الفلسطيني هناك بالمنتوج الإبداعي والأدبي والفني العربي، فحضر بدر شاكر السياب كما المتنبي، وتوفيق الحكيم كما أبو خليل القباني، والجاحظ والجرجاني كما نجيب محفوظ وأبو القاسم الشابي. وقد ساهمت في صيانة اللغة العربية، وتعبيراتها الثقافية، أحزابٌ عربيةٌ كافحت، ونشط مفكرون ومثقفون فلسطينيون، في هذا كله، طوال سنواتٍ كان التواصل الثقافي والسياسي مع الأفق العربي صعبا. ولهذا كله وغيره، هي محاولةٌ بائسةٌ ويائسةٌ أراد فيها المحتلون إضعاف اللغة العربية بين جمهورها وناسها، خيبتُهم فيها مؤكّدة.