مؤلم بالنسبة إلى معظم مشجعي ريال مدريد، كان مشهد كريستيانو رونالدو في قميص يوفنتوس. لكن حديث النجم البرتغالي عن "قرار سهل" اتخذه بالانضمام إلى النادي الإيطالي من "البيت الأبيض" الإسباني، لم يَرُقْ لمعظمهم أيضا.
9 سنوات أمضاها رونالدو في مدريد، جعلت منه ثاني أفضل لاعب في تاريخ النادي الإسباني، بعد النجم الأسطوري الراحل ألفريدو دي ستيفانو الذي وضع، مع الرئيس الأسطوري الراحل للنادي سانتياغو برنابيو، أسس نجاحات حولت ريـال مدريد من نادٍ عادي إلى "الأعظم" في تاريخ كرة القدم.
لكن رونالدو لم يدخل قلوب "المدريديين" في شكل كامل، وربما لم يدخل النادي قلب اللاعب. إنها علاقة "حب – كراهية". اسألوا أي مشجّع لريال مدريد عن لوكا مودريتش، وستكتشفون فارقا هائلا في ما يكنّه هؤلاء للاعب الكرواتي وما يشعرون به إزاء كريستيانو.
ثمة إجماع بشأن مكانة مودريتش، لم تحجبه الأرقام القياسية التي حطّمها رونالدو في مدريد، وأداؤه الخارق طيلة السنوات التسع.
الأهداف التي سجّلها كريستيانو (450 في 438 مباراة) سيعجز آخرون عن مقارعتها طيلة عقود. لكنه لم يكن مجرد ماكينة تهديف، بل تميّز دوماً بنَهَمِه ليكون الأفضل، وروحه القتالية وشخصيته القيادية وقدرته العجيبة على التفوّق على نفسه، ناهيك عن سعيه "المرضي" إلى الكمال في مسيرته، وهوسه بالفوز وبالألقاب، الجماعية والفردية، ومهنيّته كلاعب محترف.
مَنَحَ اللاعب البرتغالي "الملكي" أفضل سنوات مسيرته، خاض خلالها نزالاً أسطورياً مع الأرجنتيني ليونيل ميسي، وكان يعيد ابتكار نفسه كلّما فقد ميّزة في اللعب، نتيجة تقدّمه في السنّ.
لكن "زواج" رونالدو – ريال مدريد لم يكن مثالياً، إذ شابته خلافات وعثرات شبه دائمة، فاقمها كبرياء اللاعب الذي اعتقد أنه يستطيع أن يبتزّ النادي متى يحلو له، وأن يفرض شروطه عليه، لا سيّما على رئيسه فلورنتينو بيريز.
أراد كريستيانو أن يتصرّف في مدريد كما يفعل ميسي في برشلونة، حيث هو الآمر الناهي، وأن ينال راتباً مساوياً لما يحصل عليه الأخير، أو لما يناله نيمار في باريس سان جرمان.
لكن النجم البرتغالي نسي أن ريال مدريد ليس برشلونة، وأن بيريز ليس رئيس النادي الكتالوني جوسيب ماريا بارتوميو. ولم يدرك كريستيانو أن فلورنتينو لن يهدم كرما لعينيه، الصرح الذي شيّده في نادي العاصمة بعدما أنقذه من الإفلاس عام 2000 وأعاد إليه أمجاده وجعله "ماركة" تجارية عالمية.
كرّر بيريز ما فعله برنابيو عام 1964، حين لم يتردّد في التخلّي عن دي ستيفانو، إثر صدامه مع المدرب آنذاك ميغيل مونيوز، انطلاقاً من مسلّمة أن النادي أكبر من أي لاعب.
يأسف ريال مدريد لأن يغادره أبرز لاعب في تاريخه الحديث، بسبب المال. وكان واضحاً أن اختيار كريستيانو الانضمام إلى يوفنتوس ليس عبثياً، إذ لن يدفع لمصلحة الضرائب في إيطاليا سوى 100 ألف يورو سنوياً، عن الإيرادات التي يجنيها خارج أراضيها.
ولا شكّ أن خلاف رونالدو مع مصلحة الضرائب الإسبانية ساهم في تقويض علاقته بريال مدريد، إذ رفض النادي التدخل في مسألة حسّاسة بالنسبة إلى الإسبان، معتبراً أنها تخصّ اللاعب وحده.
يواجه ريال مدريد تحدياً استثنائياً الموسم المقبل، بعدما خسر في غضون أسابيع اثنين من أساطيره: مدربه زين الدين زيدان ورونالدو. لكنه أعدّ نفسه منذ سنوات لهذه الحقبة "الهرقلية"، عبر تعاقده مع لاعبين ناشئين واعدين، ناهيك عن عزم بيريز على استقدام نجم عالمي، أو أكثر، رغم إدراكه أن أحداً لن يستطيع ملء الفراغ الذي خلّفه كريستيانو، كروياً وتسويقياً.
ريال مدريد الذي انضمّ إليه رونالدو عام 2009، غير الذي غادره عام 2018. التعاقد مع اللاعب البرتغالي تزامن مع "معركة وجود" خاضها نادي العاصمة ضد برشلونة الذي كان ينعم آنذاك بأفضل حقبة في تاريخه، بقيادة المدرب جوسيب غوارديولا.
لكن الفريق الملكي الفائز بدوري الأبطال الأوروبي أربع مرات في السنوات الخمس الأخيرة، ثلاث منها متتالية، لا يشعر بضغط مشابه لإحراز مزيد من الألقاب، ويمكنه التعامل مع مرحلة ما بعد كريستيانو، بهدوء وسلاسة لازمَين لتجاوز مسألة شائكة وطيّ صفحة مجيدة في تاريخه.
لدى انضمام كريستيانو إلى ريال مدريد عام 2009، لم يكن النادي الإسباني تجاوز دور الثمانية في دوري الأبطال الأوروبي لخمسة مواسم متتالية. وقد قاده إلى الفوز بأربعة ألقاب في المسابقة، لكن ذلك لم يتحقق إلا بعد انضمام لاعبين آخرين، أبرزهم مودريتش ورافاييل فاران وغاريث بيل.
لا ينتقص ذلك من عظمة رونالدو، لكنها حقيقة تدعونا إلى التفكير، والتسليم بأن فلورنتينو بيريز، لا كريستيانو، هو النجم الأول لريـال مدريد.