حلمي الأسمر
مر سبعون عاما على النكبة، بالتعبير الفلسطيني، و»الاستقلال» بالتعبير الصهيوني، هم يحتفلون ونحن ننتحب: مليون أسير مروا بالمعتقلات الصهيونية، بين أطفال وشيوخ ونساء، وبين عشرين وثلاثين ألف شهيد فلسطيني، ثمة الكثير من الإخفاقات في معسكرنا، وحياتهم لم تكن كلها انتصارات، ميزان القوى بيننا وبينهم خارج الحسبة والمقارنات، ومع هذا، وبعد سيعين عاما من قيام كيانهم، لم يزل الصراع مفتوحا على كل الاحتمالات، ولم يزل الشعب الأعزل المخذول يسجل انتصاراته، حتى ولو كانت «على قد الحال» فهو لم يهزم، حتى ولو تجرع كل مرارات الحرمان من وطن ظل يعيش في ذاكرة ووجدان كل مهجر أو لاجىء أو أسير، سواء في معتقلاتهم، أو حر طليق على أرضه المحتلة!
بالنسبة لهم يمكن أن يعددوا عشرات الإنجازات، ولكن مقابل كل هذا لم يزل كيانهم على كف عفريت، والخبر ما قاله صاحبه، تحدثت في المقالين السابقين عن آراء ثلاثة من كبار جنرالاتهم، عن تلك المخاوف والإخفاقات، التي تشكل تهديدا وجوديا للكيان، الذي تمدد مجاله الحيوي في كل الكرة الأرضية، ومع هذا فلم يزل يغص باللقمة التي يحاول ابتلاعها، وشبح الموت اختناقا بها لم يزل ماثلا أمامه، يزوره في الكوابيس كما في الأحلام!
يقول الكاتب العبري أهارون لابيدوت أجرى حوارات مع يتسحاق نير وأريك تشيرنياك من كبار ضباط سلاح الجو، وميشكا بن دافيد أحد كبار رجال الموساد السابقين، «روسيا والصين ليستا معنا، والولايات المتحدة مع رئيس غير مستقر قد تنقلب علينا، أما في الزاوية القريبة فأعتقد أن قطاع غزة ذاهب باتجاه الانفجار، وسندفع مقابل ذلك ثمنا باهظا جدا، وكذلك سيناريوهات مماثلة قد تشهدها الضفة الغربية.، أما في الجبهة الداخلية فأعتقد أن إسرائيل تشهد انقسامات وتشققات لم تعهدها من قبل في تاريخها».
وينقل عن الجنرلال يتسحاق نير قوله أن إسرائيل «ليس لديها وجود فيزيائي على الأرض، ولا تقوى على البقاء، دون دعم دولي عالمي واضح، نحن يمكن وصفنا بذنب الأسد، وربما نتحول قريبا إلى ذنب الثعالب».
ويعتقد أن الولايات المتحدة «التي كانت حتى أواخر القرن العشرين القوة العظمى الوحيدة في العالم تجد نفسها اليوم في حالة تراجع، وهذا قد يستغرق 20-30 عاما، لكن ذلك سيحدث، والقوة العظمى القادمة موجودة في الشرق حيث الصين، وربما تكون الهند». وقول أن «التهديدات الإسرائيلية الصادرة عن كبار ضباط سلاح الجو بأنها ستعيد أي بلد يهاجمنا للعصر الحجري كلام عبثي لا طائل منه، صحيح أن الطيران يستطيع إحداث شلل في تلك البلدان كما حصل في 1967، وقد شاركنا في تلك الحرب، لكن أعداءنا اليوم لديهم كميات كبيرة من الصواريخ، قادرة على إغلاق أجوائنا بالكامل، وتمطر علينا مئات الصواريخ بصورة منسقة، في هذه الحالة أين هي الذراع الطويلة لإسرائيل؟».
أما الجنرال أريك تشيرنياك فيعبرعن قلقه «بصورة خاصة من الفوارق والفجوات في المجتمع الإسرائيلي، لأن الوضع الاجتماعي والسياسي هش للغاية، وأخشى أنه آخذ بالتطرف مع مرور الوقت، فهناك فجوات داخل مجموعات اجتماعية متعددة، وخلافات بين الحكومة وجهات تطبيق القانون، ومحاولات للمس بالجهاز القضائي». ويلفت النظر إلى أن هناك «تطورات غير متوقعة قد تحصل، ومنها في حال عاد الإخوان المسلمون للسلطة في مصر».
ويكشف الجنرال الصهيوني عن أن «سلاح المشاة الإسرائيلي غير مهيأ أو مجهز لخوض حرب برية على عدة جبهات، وهذا فشل بنيوي، لأنه بالكاد يستطيع مواجهة حرب في الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان في الآن نفسه».
ويتابع: «لكن في حال انضمت الجبهة المصرية، أو دخل الأردنيون، فحينها ستكون إسرائيل في مشكلة حقيقية، رغم توفر سلاح الجو لديها، وربما يتمثل الجدار الأخير الذي تستند إليه في الغواصات التي تحمل رؤوسا نووية».
ويتحدث تشيرنياك عن «خطر وجودي» تعيشه إسرائيل «رغم أنها تعتبر من بين دول العالم الأكثر تحقيقا للإنجازات، وبالتزامن مع تطويرها لتلك النجاحات فلابد من إيجاد حلول للأوضاع الجيو-سياسية التي تهددها».
بين نكبتنا و»استقلالهم» بون شاسع، ولكن معاناتهم لا تقل عن معاناتنا لكن الفرق بيننا وبينهم كبير، وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ!