Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

مسيرات العودة الكبرى

-265855749.jpg

علي جرادات 

تسيير مسيرات العودة الكبرى والاعتصام على حدود قطاع غزة مع «مناطق 48»، في الذكرى 42 ليوم الأرض، قرار يستدعي ويحرّض على التفكير فيه، لا كحدث، بل كفكرة خلّاقة وجريئة، تشي بمصاعب شروط سياسية وميدانية، وبكيفية التغلب عليها وتذليلها. هنا، بمعزل عن نتائج هذه المسيرات في الميدان، فلنُشر بإيجاز إلى: 
أولاً: أخذت قيادة جيش وأجهزة أمن الاحتلال الأمر على محمل الجد، وقدمت، بعد بحثٍ معمق، تقدير موقف ل«مجلس الوزراء المُصغر» الذي يقرر في المسائل الأمنية الكبرى، فحواه: مسيرات بمشاركة 4 إلى 6 آلاف شخص يمكن التعامل معها، أما بعشرات الآلاف فمشكلة كبيرة وجدية جداً. يعني؟ هم أمام خياريْن أحلاهما مُر، إما أقل قدر ممكن من القوة لمواجهة طوفان بشري، ما يشجع على عبور الحدود، وعلى تكرار التجربة لا في قطاع غزة فقط؛ أو استخدام قوة مفرطة تنطوي على احتمال حدوث مجزرة كبرى من شأنها «إشعال السهل كله»، وأيضاً، لا في القطاع، فحسب. 
ثانياً: المشاركة الجماهيرية الواسعة هي فكرة انتفاضة الحجارة 87، التي وإن يكن لا مجال لاستنساخها في شروط سياسية وميدانية مختلفة، لكنه يمكن محاكاتها بأشكال أخرى. ولنا أن نتخيل مفاعيل تنظيم مسيرات جماهيرية واسعة تقيمها، في آن واحد، تجمعات الشعب الفلسطيني كافة، في الوطن والشتات في ذكرى النكبة القادمة، المُحتمل تزامنها مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. 
يثير الكلام أعلاه أسئلة نظرية وميدانية، بات ملحاً، ولا مناص من، إثارتها والإجابة عنها، لتجاوز مصاعب الحالة الفلسطينية الراهنة، لعل أهمها:
1: العمل الثوري، النضال، وكل فعل للتغيير بعامة، هل هو «فن الممكن»؟ أم «اجتراح المبدع والخلّاق للتغلب على ما يبدو مستحيلاً»؟ وفي التجربة الفلسطينية وحدها، ناهيك عن تجارب حركات التحرر الأخرى، ما يكفي من دروس وخِبَر يمكن محاكاتها في الشروط القائمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ألم تنطلق الثورة المعاصرة من ظروف صعبة حتى وُصفت ب«ثورة المستحيل»؟ ألم توصف انتفاضة الحجارة 87 ب«المعجزة»، اتصالاً بسلاحها البسيط، واستمرارها، وباندلاعها، (وهنا الأهم)، في ظروف مجافية بعد ضرب البندقية الفلسطينية في لبنان وتشتيتها؟ ألم يتغلب قطاع غزة على عدم ملاءمته حرب العصابات، (لخلوه من الجبال والغابات)، بفكرة حفر الإنفاق في قطاع غزة، كإبداع ب«استثنائي»؟ علماً أن حفرها بدأ في مرحلة العمل الفدائي في سبعينات القرن الماضي حين كان الاحتلال بجيشه وأجهزته الأمنية داخل القطاع؛ ألم يطلق الجميع صفة «الإبداع» على ما اجترحه جيل جديد من أشكال نضالية، (عمليات الطعن والدهس) في هبة أكتوبر/ تشرين الأول 2015. وبالمقابل ألم يُذهل، ويُربك، ويفاجأ، قادة الاحتلال بمجالاتهم ومستوياتهم، كل ما أتينا، وما لم نأت، عليه، والأخير أكثر؟ وللتدليل قال وزير حرب للاحتلال الأسبق، (رابين)، رداً على انتقادات داخلية لفشله في وقف العمليات الاستشهادية: «الموت أقسى عقوبة رادعة، فكيف يمكنك ردع شخص قرر الموت»؟ قال وزير حرب الاحتلال السابق، (يعالون)، رداً على انتقاد داخلي لفشل جيشه في وضع حدٍ لعمليات الطعن: «هل نستطيع جمع سكاكين مطابخ الفلسطينيين»؟ وأسطورة حرب الاحتلال، (دايان)، في زمانه ألم يتفاجأ بنتائج معركة الكرامة، الانطلاقة الفعلية للثورة المعاصرة، وتحطيم الجيش المصري خط بارليف؟ 
2: هل يمكن استخراج ما يمكن اجتراحه وابتداعه للتغلب على المصاعب الراهنة من دون مغادرة المألوف والمعروف والقديم والنمطي والمحافظ إلى إطلاق العنان لإبداع الشعب؟
3: هل يمكن لسياسة التردد والانتظار أن تنجب جديداً أو أن تطلق العنان لجديد ناشئ يتحفز ويتفلت؟ أجاب الزعيم الراحل عبد الناصر: «الأيدي المرتعشة لا تصنع ثورة».
بقي القول: الإرادة، بالمعنى السياسي، هي القول الفصل، بتوافرها وصفاً وطنياً موحَّداً، يمكن استنهاض الشعب الفلسطيني لتحقيق ما يبدو مستحيلاً، واستقطاب دعم خارجي منتظم متعدد الأشكال والجنسيات؛ وبغياب ذلك، يبقى الحال القائم، (المراوحة في المكان)، على حاله في محطة فارقة.