وصف موقع مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية الحالة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها معاناة شخص مصاب بـ "انهيار عصبي"، بسبب السياسات التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ونشر الموقع مقالا مشتركا للكاتبين كوينتا جوريستش وبنجامين ويتس ، يصفان فيه الحالة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ الكاتبان مقالهما الذي جاء تحت عنوان "هل تواجه أمريكا أزمة دستورية بسبب قرارات ترامب؟ وأكد الكاتبان إنّه مع تأزُّم الأجواء السياسية داخل أمريكا، بات من اللازم وضع تعريف للمرض الذي يلمُّ بالديمقراطية الأمريكية.
وأوضحا أنَّ مساعي "ترامب" للتخلُّص من نائب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي "إف. بي. آي أندرو مكابي – وهي وظيفة مدنية – قد أفلحت بشكلٍ مذهل، على الرّغم من أنَّ السبب وراء ذلك غير معلومٍ للشعب. إضافة إلى أنه ما بات جليًا هو أنّ ما يقوم به ترامب يضرب استقلالية المؤسسات الدستورية الأمريكية في مقتل عبر الدخول في صراع مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية.
ويرى الكاتبان إلى "أن إقالة مكابي هي استمرار للحملة على "إف. بي. آي" التي بدأت بإقالة جيمس كومي مدير المكتب. كما توعَّد ترامب المدعي العام جيف سيشنز ونائبه بنفس المصير.
وبطبيعة الحال حظي المحقق الخاص مولر – الذي يترأس تحقيقًا بشأن مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية – بنصيب الأسد من الانتقادات والتهديدات. كما لم يسلم المعارضون السياسيون من هجوم ترامب. ويرغب الأخير في أن يكون ولاء قادة الأجهزة الأمنية له معتقدًا أن وظيفتهم هي حمايته. ولهذا يتساءل المراقبون: "هل نحن في قلب أزمة دستورية؟ وإن كنّا كذلك، هل ندرك ذلك حتى؟".
ولهذا يتساءل المراقبون: «هل نحن في قلب أزمة دستورية؟ وإن كنّا كذلك، هل ندرك ذلك حتى؟».
يقول الكاتبان في مقال في مجلة «ذي أتلانتك» " إنّ عمليات البحث على الإنترنت عن الأزمات الدستورية قد ازدادت بشدة منذ انتخاب ترامب، مع تركيز على أحداث بعينها هي: فرض حظر على دخول المسلمين إلى أمريكا، وإقالة جيمس كومي، ومحاولات وقف تحقيق روبرت مولر، ثم أتت إقالة مكابي لتؤكِّد هذا المنحى.
ليس هناك تعريف محدد لمصطلح «الأزمة الدستورية» – يشير الكاتبان. فهو ليس مصطلحًا قانونيًا، على الرغم من تداوله في الأوساط القانونية. وعندما يقال إن ثمَّة أزمة دستورية محدودة، فهذا يشبه تشخيص معاناة شخص من «انهيار عصبي» – وهو مصطلح يشير إلى مشكلة نفسية طارئة غير محددة.
ويتساءل الكاتبان. «كيف لنا أن نعرف أن الانتخابات الأخيرة ليست مجرَّد مثال على اختيار الناخبين لقائدٍ فظيع يقود البلاد بشكلٍ رهيب؟ وفي أي نقطة يصبح الرئيس السيئ مشكلة ذات بُعد دستوري؟» .
في الواقع ، من الصعب رؤية أزمة طالما أن أحدًا لم يتحدَّ أوامر المحكمة أو يتحد سلطة مؤسسات سيادة القانون في البلاد، ستجرى انتخابات التجديد النصفي – التي من المتوقع أن يمنى فيها الجمهوريون بالهزيمة – بعد بضعة أشهر من الآن. فأين تكمن الأزمة هنا؟
مشكلة أخرى في المصطلح هي أن مدة الأزمة ليست واضحة. هل تستمر الأزمة الدستورية لأيام أم أسابيع أم أكثر؟ وهل يجب أن تهدد بتدهور الأوضاع على المدى القصير إذا لم يتم حلها؟ أم هل يمكن أن تصمد البلاد طويلاً أمام الأزمة الدستورية؟
ويشير الكاتبان أن ثمة مصطلح آخر متداول في أمريكا الآن هو «التعفُّن الدستوري» ويقصد به الباحث الدستوري جون فين: أن كلمة «تعفُّن» هادئة، وخبيثة، ودقيقة. فهي تخترق النظام دون أن يلاحظ المواطنون أو المسؤولون ذلك.
وعلى الرغم من أن «التعفُّن الدستوري» يختلف عن «الأزمة الدستورية» مثلما يرى بالكن، فإنّ الأول يمكن أن يؤدِّي إلى الأخير. إنّ الوضع الحالي يحمل في طياته بعض ملامح التعفن – يؤكد الكاتبان. يدلل على ذلك الانتهاكات المستمرة للمعايير والتوقعات الديمقراطية. والمطالب العلنية بتسييس الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام. مع عدم تحرُّك الكونجرس للتصدِّي لذلك. وهذا يتفق مع التعفن الدستوري.
لكن مصطلح «التعفن الدستوري» لا يصف الحقبة الترامبية بالشكل المطلوب – يستدرك الكاتبان. لأنّ التعفن عملية يمكن وقفها وإبطاؤها ولكن لا يمكن عكسها. فالخشب لا يتجدد. واللحم الفاسد لا يشفي نفسه ويصبح طازجًا مرة أخرى. بيد أن كلاً من بالكين وفين يعتقدان أنَّ التعفُّن الدستوري يُمكن عكسه.
لقد قاتل الصحفيون بلا هوادة للكشف عن الحقيقة – يؤكد الكاتبان – وهو ما زاد من عدد المتابعين للشأن السياسي. ويحشد تحالف ديمقراطي المواطنين ضد ترامب – وكان آخر مثال في انتخابات الكونجرس في ولاية بنسلفانيا المحسوبة على الجمهوريين حيث ترك الديمقراطيون المرشح الحالي دون منافسة في الانتخابات الأخيرة. كما أن مكتب التحقيقات الفدرالي الذي يشن ترامب حملة عليه، يؤدِّي مهامه في مواجهة الضغوط. هذه ليست مادة ديمقراطية متعفنة.
ورغم حملة ترامب المسعورة على مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكنَّه فشل في إجبار المكتب على التحقيق مع خصومه السياسيين أو إسقاط التحقيق الروسي. وهذا سبب غضبه المستمر. إذا كان هذا يعتبر تعفنًا دستوريًّا، فإنه يلهم موجة من الالتزام العام بالمثل الديمقراطية الأساسية – بما في ذلك استقلال الأجهزة الأمنية.