د. أسعد عبد الرحمن
كما في مؤتمر كل عام، حرص الساسة الأميركيون على خطب ود «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (إيباك)، أقوى لوبي أميركي، والتي ثبت تأثيرها في حملات الترشيح للانتخابات الأميركية، الرئاسية منها والتشريعية، بل وعلى مجمل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. فقد وقف الساسة الأميركيون الكبار صفاً لإلقاء كلماتهم في «إيباك»، وتنافس كل من نائب الرئيس الأميركي «مايك بينس» مع المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة «نيكي هيلي» على إثبات من هو أكثر عشقاً لإسرائيل ودعماً لاحتلالها وتهويدها للقدس وضمها للمستوطنات، مع زيادة نبرة العداء للفلسطينيين. ومما قاله بينس: «الأمن الإسرائيلي غير مطروح للتفاوض. الرئيس ترامب وعد بالوقوف إلى جانب إسرائيل ضد معاداة السامية على المسرح العالمي. أيام لوم إسرائيل ومهاجمتها في الأمم المتحدة ولت». أما هيلي فقالت: «قوض السلام طويلاً بتشجيع الوهم بأن إسرائيل سوف تختفي ببساطة. سيأتي اليوم الذي يحذو فيه العالم بأسره حذو أميركا ويعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. إنني لن أخرس وسأدافع دوماً عن إسرائيل».
وفي مؤتمرها هذا العام، سعت «إيباك» إلى تتويج إنجازاتها المؤيدة لإسرائيل في الكونغرس والبيت الأبيض على حد سواء. وكان على قمة التتويج انتصار إسرائيل باعتماد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقدس عاصمة لدولة الاحتلال، فضلاً عن سعي «إيباك» إلى الحد من الدعم المالي الذي تقدِّمه الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، إلى جانب استهداف «الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل» (BDS)، بالإضافة إلى الموضوع القديم الجديد وهو الضغط على إدارة ترامب لإبطال الاتفاق النووي مع إيران المبرم في عهد الرئيس السابق باراك أوباما).
ومن جهتها، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً عن «إيباك»، تحدثت فيه عما أسمته «الجذور المظلمة» لنشوء هذه اللجنة، والأسباب والأهداف التي نشأت لأجلها. وقال كاتب المقال (دوغ روسينو) أستاذ التاريخ بجامعة أوسلو، والعاكف حالياً على تأليف كتاب بعنوان «تاريخ الصهاينة الأميركيين بين عامي 1948 و1995»، قال إن «إيباك تعمل على ضمان الدعم الأميركي لإسرائيل، وتبرير إجراءاتها في حق العرب، رغم اختراق إسرائيل للقانون الدولي وعدم تطبيقها للعديد من القرارات الدولية، بل وشنها حروباً على العرب ابتداءً من حرب الأيام الستة عام 1967 ومروراً بغزو لبنان عام 1982، وحروبها المتكررة على قطاع غزة».
لقد ذهبت أدراج الرياح خشية كثيرين في صفوف اليمين الإسرائيلي من أن لا يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضالته في المؤتمر، في خضم التحقيقات معه ومع زوجته (سارة) في قضايا الفساد. بل إن «أوري مسغاف» أكد تحول «إيباك» من لوبي مؤيد لإسرائيل إلى لوبي مؤيد لحزب نتنياهو «ليكود». وفي هذا السياق، كتب يقول: «منظمة إيباك تسبب الضرر لإسرائيل، وقد حان الوقت لنقول هذا باللغتين العبرية والإنجليزية. تعرف إيباك نفسها منذ عام 1951 بأنها لوبي مؤيد لإسرائيل، لكنها تتصرف حالياً، كلوبي مؤيد لنتنياهو، إنهم يتماشون مع ترامب، ويعملون معه كجماعات ضغط في خدمة نتنياهو».
من جانبه، قال حيمي شليف: «المكان الوحيد في إسرائيل الذي يستطيع فيه نتنياهو الحصول على الهتافات، مثلما في إيباك، هو مركز الليكود». ويضيف: «أعضاء إيباك ومن يؤيدون الليكود، يفضلون تجاهل الشرخ العميق في المجتمع الإسرائيلي، من التهويد المنتشر في الدولة ومؤسساتها، وحرب نتنياهو ضد الديمقراطية وسلطة القانون والتشجيع الذي يعطيه للوطنية الدينية المتطرفة، وبصورة محددة، تجاهل الاحتلال، حيث لا تروق لهم التقارير عن نصف قرن من سيطرة جنود الجيش الإسرائيلي وتحكمهم بسكان المناطق، وعن المنحدر الذي يؤدي إلى كابوس ثنائية القومية، أو عن الثمن المستمر الذي يدفعه المجتمع الإسرائيلي. من المريح لهؤلاء وأولئك رؤية نصف الكأس المليء لنتنياهو وأعضاء الكونغرس الذين يهللون ويمدحون إسرائيل بلا حدود ويتهمون أعداءها والمتآمرين عليها باختراع خبيث لنصف الكأس الفارغ».
في سياق ما سبق، جاء الوصف العجيب غير المتوازن للمدير التنفيذي «لإيباك» (هوارد كوهر)، إذ نادى بـ«دولتين لشعبين»: يهودية مع حدود آمنة وقابلة للدفاع، وفلسطينية مع علمها الخاص ومستقبلها الخاص (متجاهلاً مسألة الحدود والأمن والسيادة!). ومع ذلك، أغضب كوهر قادة اليمين الإسرائيلي وطالبوه بالتخلي عن تصريحاته! وفي السياق، اعتبر عضو الكنيست (يهودا غليك) «إيباك» صديقاً كبيراً وهاماً لإسرائيل، ولكن «إذا كانت تتظاهر بأنها تمثل الموقف الرسمي لدولة إسرائيل للمسؤولين المنتخبين في الولايات المتحدة، فعليها أن تفعل ذلك بإخلاص. من الواضح للغالبية العظمى من وزراء الحكومة والائتلاف أن إقامة دولة فلسطينية في قلب دولة إسرائيل يعني جلب الإرهاب إلى قلب الدولة».
من جانبه، قال رئيس مجلس السامرة الإقليمي الاستيطاني «يوسي دغان» إن «ادعاء إيباك بأن إسرائيل تفضل دولتين لا أساس له في الواقع»! وأضاف: «إنني مذهول كيف أن تنظيماً عظيماً وهادفاً مثل إيباك.. يمثل مواقف دولة إسرائيل والولايات المتحدة على نحو غير دقيق أمام كبار المسؤولين الحكوميين وأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء الكونغرس والجمهور العام المؤيد لإسرائيل»!
وقالت نائبة وزير الخارجية تسيبي حوتوفيلي إن «انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 أثبت أن المبادئ وراء حل الدولتين مُنيت بالفشل. بل إن الانشغال الدولي بقضية غزة نابع أساساً من عدم الإدراك بأن حل الدولتين سيؤدي في نهاية الأمر إلى مزيد من الإرهاب»!
مؤتمر «إيباك» لعام 2018، تحول إلى مزاد علني لتقديم صكوك الولاء لإسرائيل، وتبييض صفحتها وتبرئتها من أنها دولة الآبارتايد في العالم، محاولاً إنقاذ نتنياهو.