راسم عبيدات من الواضح أنه بعد قرار المتطرف ترامب بإعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال، وقرار الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في الرابع عشر من أيار القادم الذكرى السبعين لنكبة شعبنا الفلسطيني..
أن يد الإحتلال أطلقت بشكل كامل، من أجل استغلال هذا القرار لتثبيت حقائق ووقائع جديدة على الأرض، عبر سنّ المزيد من القوانين والتشريعات والقرارات العنصرية، الهادفة إلى تغيير الواقع الديمغرافي في مدينة القدس لصالح تهويد المدينة وأسرلتها، وممارسة كل أشكال التطهير العرقي بحق سكانها.
فلا يكاد يمر يوم الإ ونسمع عن قوانين عنصرية جديدة تصب في هذه الخانة والإتجاه، والتي كان آخرها مصادقة "الكنيست" البرلمان الصهيوني بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون سحب الإقامة من المقدسيين تحت ذريعة وحجة خيانة الأمانة وعدم الولاء لدولة الإحتلال، وإقرار القانون يفتح الطريق أمام سحب أعداد كبيرة من إقامات المقدسيين، حيث أن أي فلسطيني مقدسي، قد يشارك في انشطة وفعاليات ضد الإحتلال الإسرائيلي، حتى لو كان نشاط شعبي سلمي، ربما يكون معرضاً لسحب إقامته، فهذا القانون الذي جاء التفافاً على قرار محكمة العدل العليا الصهيونية، التي ألغت في أيلول 2017، قرار وزير الداخلية الصهيوني آنذاك روني بار اون، بسحب هويات ثلاثة من نواب حركة "حماس" المقدسيين ووزير شؤون القدس السابق، وأعطت الحكومة مدة ستة شهور لإستصدار قانون يمكنها من سحب هوياتهم، حيث أنه لم يكن هناك أي مصوغ قانوني لعملية السحب تلك.
الهجوم الإسرائيلي على القدس يتواصل بشكل هستيري، حيث المشاريع والمخططات الإستيطانية، يجري إقرارها بزمن قياسي، وتشتمل على عشرات ألآلاف الوحدات الإستيطانية، وبما يضمن التواصل ما بين البؤر والمستوطنات المقامة داخل جدار الفصل العنصرى، والأخرى خارج جدار الفصل العنصري، عبر شق شوارع وأنفاق تصل بينها، بحيث تصبح مساحة القدس الكبرى، من خلال ضم المستوطنات الواقعة جنوب غربها وشمال شرقها 10% من مساحة الضفة الغربية، وبما يمكن من ضخ ما يزيد عن 150 ألف مستوطن إليها وإخراج أكثر من 100 ألف فلسطيني منها، للقرى والبلدات المقدسية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري، والتي أقرت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريعات تطبيق القانون الإسرائيلي عليها.
ولا ننسى هنا الكثير من مخططات التهويد في البلدة القديمة ومحيطها، مشروع التلفريك أو القطار الطائر، الذي يربط ساحة البراق بجبل الطور، ومشروع "اوميغا" النزول بالحبل، الممتد من قمة جبل المكبر إلى غابة أبو طور، غابة "السلام" بطول 784م، وربط ساحة البراق بأنفاق وشبكة القطارات السريعة، وإقامة أضخم مشروع استيطاني في ساحة البراق ما يسمى ببيت الجوهرة "بيت هليفيا"، يضاف لذلك إقامة الحدائق والمسارات التلمودية والتوراتية في سلوان وجبل الزيتون وفي مقبرة باب الرحمة وغيرها، وما يجري من عمليات تهويد لبوابة البلدة القديمة الرئيسية، بوابة دمشق، حيث جرى نصب المزيد من الكاميرات الحساسة والمنصات والأبراج العسكرية وبناء عدة غرف، فيما يؤشر الى محاولة إحداث شلل تام في شريان حياة البلدة القديمة الديني والتجاري والسياحي، من خلال إرهاب السكان وتخويفهم بهذه المظاهر العسكرية والشرطية والأمنية، وبما يجعلهم يحجمون عن الدخول للبلدة القديمة.
أما على صعيد الإجراءات والممارسات القمعية والإذلالية بحق المقدسيين، فحدث ولا حرج فشرطة الإحتلال ومخابراته، تمنع أي نشاط مهما كان طابعه، إجتماعي- وطني سياسي، ديني، ثقافي، تربوي تعليمي، حتى لو كان نشاط أطفال أو لربما وجبة أكل، كما حصل في منع عشاء الصحفيين، واليوم جرى منع سباق، مارثون فلسطيني مضاد للماراثون التي أقامته دولة الإحتلال، والذي يخترق أجزاء كبيرة من القدس المحتلة، وأغلقت له الكثير من الشوارع وشلت حركة المواصلات وحركة الناس والحركة التجارية، وحشدت له المئات من رجال الشرطة والجيش والخيالة والمخابرات.
ولا نريد ان نفصّل في فرض الضرائب "القراقوشية"، ضريبة المسقفات "الأرنونا" وغيرها، والتي تستخدم كأدوات ضغط على المقدسيين لطردهم وترحيلهم قسرياً عن مدينتهم، كونها ضرائب باهظة فوق طاقتهم وإحتمالهم، وفوق هذا كله قيود معقدة وكثيرة تمنع حصولهم على تراخيص البناء، والحصول عليها لا يعني القدرة على البناء، فرسوم ترخيص، أي شقة لا تزيد عن 119م، لا تقل عن 50 ألف دولار أمريكي.
الإحتلال ماض في مشاريع التهويد والتطهير العرقي وتفريغ المدينة من وجودها العربي- الإسلامي، ويضخ لخدمة هذا المشروع مليارات الدولارات ويوظف كل اجهزته ومستوياته الأمنية والسياسية والقضائية وأجهزته الشرطية والمدنية، بالإضافة إلى الجمعيات التلمودية والتوراتية لخدمة مشاريعه ومخططاته، في حين نرى بأن الإنسان الفلسطيني المقدسي، يعتمد على مواجهة تلك المخططات والمشاريع والتصدي لها وإفشال العديد منها، قائم على إمكانياته الذاتية، وتسلحة بالإرادة والقناعة والإنتماء، وبأن لا مفر ولا خيار أمامه سوى الصمود والمقاومة.
ونحن نقول بأن الرهان على الصمود المقدسي وحده لا يكفي، وللأسف هذا الصمود هناك بعض الأطراف العربية من يعمل على تقويضه، من خلال الضغط على القيادة الفلسطينية، لكي تتخلى عن القدس كعاصمة أبدية للدولة الفلسطينية، والقبول بإحدى الضواحي خارج جدار الفصل العنصري بديلاً عنها، ولذلك نجد أن هناك إحجام عربي- إسلامي كبير عن تقديم الدعم المادي والسياسي، للقدس وقضيتها خاصة ولقضية شعبنا الفلسطيني عامة، كما أن القيادة الفلسطينية، والتي تحاول دعم وتعزيز صمود الإنسان المقدسي، غير قادرة على تقديم الدعم المادي لهؤلاء المقدسيين بحده الأدنى، فلا ميزانيات جدية وحقيقية، تمكن من حماية العملية التعليمية، ولا إقامة مشاريع اسكانية، أو حماية المؤسسات الكبرى كالمشافي وشركة كهرباء القدس، كصروح وطنية ومعالم من معالم السيادة الوطنية الفلسطينية في القدس، ولا حلول جدية لهموم الناس الإقتصادية والإجتماعية، وكل ذلك يفاقم من أزمات وهموم ومشاكل المقدسين، ويزيد من شعورهم بالإحباط وفقدان الثقة بالقيادة وكل المرجعيات القائمة باسمهم رسمية وشعبية وغيرها.
أمام هذا الهجوم الإسرائيلي الشامل على المدينة بعد قرار ترامب، بات من الضروري والملح، أن يكون رؤيا واستراتيجية جديدتين، تضعان حماية الوجود المقدسي في المدينة، فوق أية اعتبارات لها حسابات فئوية أو تفردية، فالكل المقدسي مستهدف، وعليه ان يسعى لتجميع كل عناصر قوته وطاقاته وصهرها في بوتقة موحدة، تضمن إيجاد جسم وطني مجتمعي شعبي علني قادر، على أن يقود ويؤطر وينظم ويوحد كل الأنشطة والفعاليات المقدسية، وأن يسهم بشكل جدي في إيجاد مصادر دعم وإسناد، توفر مقومات الصمود والبقاء للمقدسيين.