د.وليد القططي في آخر جلسة لحكومة الدكتور رامي الحمد الله التي عُقدت بتقنية الفيديو كونفرنس في رام الله وغزة اعتمدت موازنة عام 2018 وفيها استيعاب عشرين ألف موظف من غزة من أصل حوالي أربعين ألف موظف غير أنها علّقت ذلك باكتمال التمكين للحكومة في غزة،
وجاءت تصريحات السادة الوزراء في ذلك الاتجاه الذي يربط المصالحة وتبعاتها بالتمكين الكامل أو الفعّال أو الدقيق حسب اختلاف مذاهب أهل التمكين. وهذا الكلام فيه إعادة مُملّة وتكرار مقيت كلما حك كوز مفاوضات المصالحة بتنكة زيارات الوزراء لغزة، وكأننا أمام تكرار مشاهد فيلم كئيب بدون ألوان من الزمن الردئ اسمه (الحمل بعد التمكين)؛ ذلك بأن المصالحة لم تحمل مولودها البكر بعد ليسعد به الشعب بانتظار التمكين اللعين.
لم يكن التمكين وليد اللحظة أو نتاج وقته، بل الحلقة الأخيرة من مسلسل الانقسام الطويل والحلقة الأولى من مسلسل المصالحة الذي قد يكون أكثر طولاً منه، وفي عودة إلى البداية وبالتحديد في المشهد الأول للانقسام عندما بدأت أحداث الانقسام الدامية في قطاع غزة التي انتهت بسيطرة حركة حماس على مؤسسات السلطة في غزة، وبعد أيام من ذلك المشهد الحزين جرى حوار بيني وبين أحد المؤيدين لـ(الحسم) أو (الانقلاب) كما يُعرّف في المشهد الآخر، وكان موضوع الحوار الأقرب إلى الجدل هو مستقبل ومصير الوضع الجديد في غزة، وكان رأيي آنذاك أن هذا الوضع لا مستقبل له ومصيره الفشل وفق معطيات السياسة بغض النظر عن معايير الحق والباطل، وبعيداً عن تحميل طرف المسؤولية فيما حدث دون الطرف الآخر، ولكن وفق قراءة موضوعية للبيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وضمن رؤية لاستحالة إدارة سلطة من حركة لا تعترف بمرجعيتها القانونية (أوسلو)، وغير شريكة في مرجعيتها السياسية (المنظمة) وتحمل مشروعاً سياسياً ووطنياً مناقضاً للمشروع الذي أُقيمت عليه السلطة.
هذا الرأي وتلك القناعة احتاجت من أولى الأمر في غزة عقد اًمن الزمان وحجماً هائلا لا يمكن قياسه من المعاناة الناجمة عن الحروب والحصار والانقسام والعقوبات ذاق ويلاتها جزء كبير من الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم في غزة، كان بالإمكان إنهاء الانقسام قبل ذلك بكثير لولا الحزبية وضيق الأفق والعجز في إدارة غزة وقبل أن يستفحل المأزق الاقتصادي في غزة وقبل أن تستحكم حلقات الأزمة حول أعناق أهل غزة وتفتك بهم. وقبل أن يمارس أولو الطول في السلطة عنجهيتهم وغطرستهم على شعبهم مشبعين بإحساس القوة الكاذبة وشعور العظمة الوهمية، لندخل في جدل عقيم حول من الأول في التطبيق: استلام الجباية الداخلية أم صرف رواتب الموظفين، لنعيد جدل البيضة والدجاجة. أيهما الأول؟ كما حدث في جدل اللجنة الإدارية العليا لقطاع غزة، أيهما الأول: إلغاء العقوبات أم إلغاء اللجنة؟! وعندما أُلغيت اللجنة الإدارية اكتشفنا أن وقت (التوبة) قد انتهى بعد أن بلغت الروح الحلقوم ولم يعد أمام البؤساء في غزة سوى الموت البطيء تحت الحصار أو الموت السريع تحت القنابل.
لم تكتفِ قيادة السلطة بأنها أدخلت الشعب الفلسطيني في نفق مظلم ناتج عن مأزق أوسلو الذي أوصلنا إلى «سلطة بدون سلطة تحت احتلال بدون كلفة « بل إلى» سلطة تعمل لدى الاحتلال» على حد تعبير السيد الرئيس وكذلك ما قاله كبير المفاوضين أن «الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو أفيغدور ليبرمان، ورئيس الوزراء هو المنسق بولي مردخاي» في إشارة واضحة لتحكم الاحتلال في السلطة. التي أصبحت شريكة في نشأة وإطالة مأزق الانقسام، والآن هي شريكة في إطالة زمن المصالحة من خلال إدارة المصالحة وليس إتمامها مستخدمة مصطلح التمكين غير المحدد المعايير ليكون غطاءً لانعدام الإرادة السياسية في إنهاء الانقسام وإلغاء العقوبات وتحمّل السلطة لمسؤوليتها عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة التي أخذتها على عاتقها بموجب اتفاقية أوسلو، وصولاً إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطيني لتكون بيتاً للكل الفلسطيني وحاملة للمشروع الوطني الفلسطيني الهادف إلى التحرير والعودة والاستقلال.