راسم عبيدات من الواضح بعد قيام الدفاعات الجوية السورية بإسقاط طائرة (اف 16) الإسرائيلية، بأن هناك قراراً استراتيجياً على مستوى سياسي وعسكري لغرفة عمليات قوى المقاومة ومحورها إيراني- سوري- لبناني- حزب الله بتغيير قواعد الإشتباك مع الإحتلال الصهيوني،
بحيث يتم منع استفراد العدو أياً كانت صفته بهذا الطرف أو ذاك، وسابقاً تحدث سماحة السيد حسن نصر الله في إحدى خطاباته، بأن أي حرب مع دولة الكيان الصهيوني، تعني بأن المواجهة لن تكون مقتصرة على حزب الله، بل سيكون فيها مئات آلاف المقاتلين من أكثر من بلد عربي وإسلامي، وقبل الرد السوري وبعده كانت هناك تصريحات لافته منها تصريح الأمين العام للجبهة الديمقراطية الرفيق نايف حواتمه بعد لقاءه مع سماحة السيد نصر الله، بأن محور المقاومة سيرد بشكل جماعي في حال أي عدون إسرائيلي، وكذلك الكتائب والأجنحة العسكرية لكل الفصائل الفلسطينية بما فيها كتائب القسام، اكدت وقوفها إلى جانب سوريا قيادة وجيشاً وشعباً في تصديها للعدوان الصهيوني.
دولة الاحتلال مدفوعة من قبل الإدارة الأمريكية، تتحرش بسوريا، وتمارس البلطجة والعربدة بحق أرضها وسمائها، مستغلة إنشغال الجيش السوري في التصدي لقوى العدوان والجماعات الإرهابية على أكثر من جبهة، تحت يافطة وذريعة محاربة وجود إيران وحزب الله في سوريا، لأن ذلك يشكل خطراً على أمنها ومستقبل وجودها، حتى بكل وقاحة وصلف بعد عدوانها الأخير على سوريا، قال رئيس وزرائها نتنياهو، بأن إسرائيل تدافع عن نفسها، حيث طهران تستبيح "أراضيها"، وطبعاً أمريكا الحليف الإستراتيجي لدولة الإحتلال دعمت حق إسرائيل في الدفاع عن "نفسها".
وكذلك إسرائيل واصلت تحرشها في لبنان وحزب الله وأيضاً بإيعاز أمريكي في قضيتي ترسيم الحدود وبناء جدار عازل على طول الحدود اللبنانية، داخل الأراضي اللبنانية، وكذلك منع لبنان من استثمار ثرواته النفطية والغازية في بلوك (9)، داخل المياه الإقليمية اللبنانية، والتهديد بإستخدام القوة، لمنع لبنان من القيام بأي عملية استثمار، تحت ذريعة أن ذلك يقع داخل المياه الإقليمية لدولة الاحتلال، وطبعاً الشركات التي رسى عليها التلزيم للتنقيب عن النفط والغاز روسية وفرنسية وبريطانية، والتحريض الأمريكي لإسرائيل للتحرش في لبنان، هدفه بالأساس، تأمين حصة للشركات الأمريكية من الغاز والنفط اللبناني، ولكن تلك التحرشات الإسرائيلية، واللعب الإسرائيلي بالنار، وحّد كل المركبات السياسية اللبنانية موالاة ومعارضة في وجه التهديدات الإسرائيلية، وحق لبنان في الدفاع عن أرضه وحقوقه وسيادته، ولذلك هرعت أمريكا إلى قيادة وساطة وإرسال وزير خارجيتها تليرسون للمنطقة للمساهمة في تهدئة الأوضاع ومنعها من الإنفجار، وحاولت جر لبنان إلى التفاوض مع دولة الاحتلال، ولكن الدولة اللبنانية، ترفض التفاوض على حقوقها السيادية.
نحن ندرك تماماً بأن الحروب التي تشنها أمريكا ومعها ما يسمى بالمحور السني العربي – الإسرائيلي بالوكالة في سوريا من خلال دعم وتسليح وتمويل الجماعات الإرهابية، قد قاربت على الوصول إلى الهزيمة الشاملة، والتي لم يستعجل الرئيس الأسد استعجال إعلان النصر الشامل عليها، ولذلك نرى الدخول على خط المشاركة المباشرة في العدوان على سوريا والقوى الحليفة والرديفة، حيث عمدت الطائرات الأمريكية إلى شن عدوان على قوى رديفة للجيش السوري في شرق دير الزور تحت حجج وذرائع قصفها لقوى سورية تابعة لأمريكا، ما يسمى بالجيش الحر "السوري" الأمريكي، وكذلك عودة الحديث للإسطوانة المشروخة مع كل تقدم جديد للجيش السوري وإندحار المجموعات والعصابات الإرهابية عن استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيماوية، والتحضير لضربة أمريكية جديدة ضد سوريا على غرار مع جرى في قصفها لمطار الشعيرات السوري، تحت ذريعة استخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي في خان شيخون، وبالمقابل إسرائيل فشلت كل صرخاتها وصيحاتها واستنجادها بروسيا وأمريكا لمنع تواجد قوات إيرانية ولحزب الله في سوريا، ولذلك واصلت القيام بعمليات القصف لمواقع سورية والتلويح بشن حرب على لبنان مدمرة تعيده للعصر الحجري، بسبب قيام طهران ببناء مصانع للصواريخ في لبنان، تشكل خطراً على أمنها ووجودها.
ما حدث بالأمس في سوريا لا يؤشر إلى أن الحرب باتت وشيكة جداً، فإسرائيل وأمريكا غير جاهزتين للحرب، وخاصة إسرائيل التي ترى بأن جبهتها الداخلية غير قادرة على تحمّل حرب تشن عليها من أكثر من جبهة، فزمن الإستفراد الإسرائيلي بهذا الطرف أو ذاك، كما حصل في حرب تموز 2006 العدوانية على حزب الله وقوى المقاومة، وفي العدوان على المقاومة الفلسطينية وحركة حماس في حروب 2008 – 2009 و2012 و2014 قد ولى إلى غير رجعة، فالآن إسرائيل ومن خلفها من حلفاء ومحاور، بمن فيهم المنهارين من النظام الرسمي العربي المتعفن، يدركون تماماً بأن هناك محوراً كاملاً سيواجههم من طهران حتى فلسطين واليمن، وفي هذا السياق نشير إلى أن هناك غرفة عمليات مشتركة لهذا المحور، تتخذ القرارات ذات الطابع الإستراتيجي.
صحيح ما حصل بالأمس أكبر من مواجهة عسكرية وأقل من حرب، ولكن هذا الذي حصل يؤشر إلى أن قوة الردع الإسرائيلي واستباحة الأجواء السورية واللبنانية، لم تعد كما كانت عليه في السابق، وتأثيرات ما حصل ستطال الساحة الفلسطينية، حيث أن خطة تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية "صفعة العصر" والتي كانت بشائرها إعلان الرئيس الأمريكي وإدارته المتصهينة عن القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال والعمل على نقل السفارة الأمريكية من "تل إبيب" إلى القدس، وتخفيض كبير للمساهمة المالية الأمريكية في ميزانية وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والعمل على حلها وإلغاء توريث صفة اللاجىء بهدف تصفية الوكالة الشاهد الوحيد على جرائم الاحتلال بحق شعبنا وأرضنا، وبما يصفي حق العودة ويشطب قضية اللاجئين.
هذه الخطة دفعت نحو تصاعد أعمال المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، وإن جرى دعمها بالنار في بعض الأحيان، كما حصل في عملية الشهيد أحمد جرار وما تبعها من قتل أحد الحاخامات الصهاينة طعناً والعديد من محاولات وعمليات الطعن وسقوط المزيد من الشهداء في الضفة الغربية والقطاع، وبما يؤشر إلى أن نهج وخيار المقاومة لم يسقط، بل أن نهج وخيار وثقافة التفاوض من أجل التفاوض تعيش مأزقها وبوادر سقوطها النهائي.
من الواضح من عملية الشهيد أحمد جرار وحتى إسقاط طائرة (أف 16) الصهيونية من قبل الدفاعات الجوية السورية، تقولان بشكل جلي وواضح بأن مئات مليارات الدولارات التي صرفت لـ"كي" و"تقزيم" الوعي العربي والفلسطيني، وتشويه وتطويعه من أجل تقبل ثقافة الهزائم و"الإستنعاج" والقبول بإسرائيل مكون طبيعي في المنطقة، وبأنها ليست العدو للأمة العربية وشعبنا الفلسطيني قد سقطت إلى غير رجعة.