د.هاني العقاد بعد لقاء بنيامين نتنياهو بالرئيس الروسي بوتين في العاصمة الروسية مؤخراً وما طرح على الطاولة بينهما، وبعد قدوم نائب رئيس الأمن القومي الروسي إلى المنطقة والتقائه بمستويات أمنية كبيرة في "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية،
بدا المشهد أكثر وضوحاً وبتنا نفهم ترانيم الحرب التي تعزفها "إسرائيل" منذ فترة وبالذات بعد أن تلقت توصيات محددة من الولايات المتحدة لاستخدام الحرب كأسلوب لتهيئة الأجواء للسيناريو الأمريكي القادم..!
نعم الحديث الآن يدور في "إسرائيل" على الجبهة الشمالية بالتحديد باعتبار أن لبنان أصبح غابة صواريخ والتهديد المستمر لإيران بمساعدتها حزب الله على إنشاء عشرات مصانع الصواريخ على الأرض اللبنانية، إلا أن غزة تأتي في أول اهتمامات "إسرائيل" العسكرية لهذا فإن التهديد لحماس في قطاع غزة لم يتوقف بل بات يؤكد على احتماليه شنّ "إسرائيل" حرب لتحقيق عدة أهداف سياسية وأمنية واستراتيجية، بالذات أن أكثر من نصف تصريحات قيادة "إسرائيل" السياسيين وأركان حربها تصريحات تهديدية بحته تنم عن تعطش للقتل ليس لإعادة الردع فقط وإنما للاشتراك في رسم خارطة جديدة للحدود مع لبنان وسوريا وقطاع غزة باعتبارهما أسخن جبهتين على حدود "إسرائيل" الآن.
نتنياهو خلال لقائه مؤخراً مع رئيس الأمن القومي الروسي قال إن هناك محاولات إيرانية لتحويل لبنان إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ على "إسرائيل".. وقال إذا لم تتدخل روسيا لإبعاد التأثير الإيراني عن المنطقة فإن "إسرائيل" تعرف كيف تفعل ذلك، كما وأن "إسرائيل" ستعمل بكامل قوتها في حال لم يعمل المجتمع الدولي على وقف التمركز الإيراني في سوريا، وشكك في قدرة بوتين على فعل ذلك في إشارة واضحة إلى أن "إسرائيل" ستلجأ إلى الحرب إن عاجلاً أو آجلاً..!
لعل رائحة حرب باتت تتصاعد من فم "إسرائيل" أكثر لتشير إلى إمكانية مهاجمة "إسرائيل" المقاومة الفلسطينية من جديد لحسم الأمر نهائياً في غزة. وليس مستبعداً أن تقدم "إسرائيل" على تنفيذ خطة حربية لاستقطاع منطقة عازلة بعمق معيّن على الحدود السورية، واستهداف لبنان وخاصة بعد التهديدات التي وجهها ليبرمان لجيش لبنان والتي قال فيها إن جيش لبنان ولبنان كله سيدفعون الثمن وقال إنه يمكن تفادي المواجهة العسكرية في لبنان من خلال ثلاثة أمور: التصميم والردع واستخدام كافة العوامل الدولية للضغط على إيران في إشارة لممارسة موسكو وواشنطن ضغوطاً لإبعاد إيران عن الحدود الشمالية قبل أن تستخدم "إسرائيل" قوتها لفعل ذلك.
الحرب في المنطقة واقعة لا محالة لكن السرّ في التوقيت والمكان الذي ستقع فيه الحرب أو تفتح فيه "إسرائيل" جبهة يبقي خاضع لحسابات سياسية كبيرة وبالتالي فإنه بحاجة إلى قرار سياسي مبني على أساس الأهداف السياسية والاستراتيجية التي ستحققها "إسرائيل" أكثر من الدواعي الأمنية فلا تهتم "إسرائيل" للأمن بشكل مطلق لأن كل خطط "إسرائيل" السياسية كانت تسبقها حروب تشنها "إسرائيل" لتحقيق سيناريو معيّن، اليوم نحن على أبواب تطبيق "صفقة القرن" المزعومة والتي ستلجأ "إسرائيل" والولايات المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية لتطبيقها من طرف واحد وخاصة بعد رفضها فلسطينياً أصبح المدخل للصفقة هو الحرب وحرب سريعة وحاسمة في نفس الوقت وهذا ما نشتم رائحته بقوة من داخل المؤسستين العسكرية الإسرائيلية والسياسية. لا أستبعد أن تكون الحرب على غزة للحسم وتغيير الأوراق والمساحات الأمنية والجغرافية وتحقيق متطلبات الصفقة الأمريكية مع بقاء احتمالية شم حرب محدود في الجنوب اللبناني وأطراف الجولان السوري لرسم خارطة جديدة للحدود.
ما يدعونا للميل إلى أن غزة يمكن أن تقع تحت مقصلة الحرب الإسرائيلية العدوانية المجرمة من جديد بعض المؤشرات الهامة منها، الاتهامات المستمرة لحماس بأنها وراء كثير من العمليات المسلحة بالضفة وتحاول الآن إيجاد قواعد عسكرية لها بلبنان، المناورات الواسعة النطاق التي تجري على حواف غزة والتي تشمل كل تشكيلات جيش الاحتلال وبمشاركة أمريكية كبيرة، إقدام قوات الاحتلال على ضرب كل أبراج الرصد على طول الحدود مع غزة وناهيك عن استدعاء "إسرائيل" لعشرات الآلاف من الجنود المشاة والهندسة والبحرية والوحدات الخاصة وحدات التعامل مع الأنفاق ووحدات الغازات، ولعل هذا تزامن مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن إدراج السيد إسماعيل هنية على لائحة "الإرهاب" الخاصة.
ولا بد أن يعرف الجميع أن السبب الرئيس للحرب هو أن غزة جزء من "صفقة القرن" التي تستدعي التعامل معها لتغيير كل ما هو على الأرض فيها رضي الفلسطينيين أم لم يرضوا ليشمل التغيير الوضع السياسي والجغرافي والأمني وتفكيك قوة المقاومة وسحب سلاحها، إن "صفقة القرن" تعتبر غزة مركز الحل السياسي وليس الضفة الغربية فالاستيطان كفيل اليوم بإنهاء قضية الضفة وما يتبقى للفلسطينيين يتبع الأردن كونفدرالياً، ولعل "إسرائيل" تعرف أنه لا يمكن إقامة دويلة فلسطينية مركزها غزة مع بقاء الوضع في غزة على ما هو عليه.
نعم التهديد للبنان لم يتوقف والوعيد لغزة لم ينتهي بل في تصاعد والاتهامات تتواصل من قبل "إسرائيل" على الجبهتين الشمالية والجنوبية إلا أن الخطة مراد لها أن تبدأ من غزة وليس لبنان لأن الولايات المتحدة تريد تهيئة الأجواء لتطبيق الجزء الخاص بالفلسطينيين في الصفقة الأمريكية المسماة "صفقة القرن".