كيري أهان قيم الإنسانية باعتذاره المذل ورضوخه لابتزاز اللوبي اليهودي
أضطر جون كيري وزير خارجية الدولة الأعظم في التاريخ على الاعتذار بشكل مهين ومخجل لإسرائيل واللوبي اليهودي الداعم لها في واشنطن لتحذيره من تحولها إلى دولة عنصرية إذا انهار حل الدولتين.
جريمة كيري تتلخص في استخدامه كلمة واحدة فقط، وهي "الأبارتهايد" ففتح على نفسه عش الدبابير اليهودي، وإرهابه الفكري والسياسي، فاضطر إلى إصدار بيان رسمي يؤكد فيه أنه أخطأ باستخدام هذا التعبير، وأن إسرائيل دولة غير عنصرية.
اللوبي اليهودي استخدم كل أذرعته الضاربة في الكونغرس لتهشيم وزير الخارجية الأمريكي وتشويه صورته، حتى أن أحدهم تيري مروز الذي يتردد اسمه كمرشح للرئاسة في عام 2016 لم يتردد في مطالبته، أي كيري، بالاستقالة من منصبه حتى لا يلحق ضرراً بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
أي إذلال هذا، وأي مهانة، فكيف تخضع هذه الدولة العظمى لابتزاز من قبل لوبي يضع مصلحة دولة صغيرة فوق مصلحة البلد التي من المفترض أن يكون ولاؤه المطلق لها؟
***
إسرائيل دولة عنصرية، وتتفوق في عنصريتها على نظام "الأبارتهايد" الجنوب أفريقي، فهي تحتل أرضاً، وترتكب جرائم الحرب، وتستخدم الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ضد شعب أعزل، وتعامل مواطنيها المسيحيين والمسلمين كمواطنيين من الدرجة العاشرة، وتطالب رئيس السلطة الفلسطينية بالاعتراف بها كدولة يهودية.
العديد من الكتاب والسياسيين الإسرائيليين حذروا من تحول إسرائيل إلى دولة تمييز عنصري إذا فشلت عملية السلام، وانهار حل الدولتين، ولكن غير مسموح لغيرهم أن يقول الأوصاف نفسها، لأنه لا يحق لغيرهم ما يحق لهم، فهم فوق البشر وكل القوانين الإلهية والوضعية، أليس هم شعب الله المختار؟
الرد على أساليب الغطرسة والابتراز الإسرائيلي البشع.. يجب أن يأتي من الفلسطينيين سلطة وشعباً من خلال انتفاضة شعبية عارمة تفضح هذه العنصرية الإسرائيلية تماماً مثلما فعل الشعب الجنوب أفريقي بقيادة الزعيم العظيم نيلسون مانديلا.
وإذا كانت السلطة الفلسطينية "مرعوبة" من الإسرائيليين، وتصطك ركب زعيمها محمود عباس خوفاً على حياته ومنصبه، فإن الشعب الفلسطيني هو الذي يجب أن يقوم بهذه المهمة المشرفة.
نحن لا نتوقع من هذه السلطة التي غاب رئيسها عن جنازة البطل نيلسون مانديلا الذي قال إن استقلال جنوب أفريقيا وحريتها لا يتحقق ويكتمل إلا باستقلال فلسطين وحرية شعبها المقاوم، ويعلن الحداد يوماً واحداً فقط على وفاته خوفاً من إغضاب الإسرائيليين، نحن لا نتوقع منها أن تفعل إلا قليل القليل أو لا شيء على الإطلاق.
عندما كان الشعب الفلسطينية يفجّر انتفاضتيه المباركتين في وجه الاحتلال اهتز العالم بأسره، وبتنا نشاهد شمعون بيريس رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها يستجدي القيادة الفلسطينية أسبوعاً من التهدئة دون جنائز، وشاهدنا الإدارة الأمريكية تهرع لتشكيل اللجنة الرباعية للسلام وتضع خريطة طريق للحل خوفاً من غضب الشعب الفلسطيني والعالم الإسلامي بأسره، ولكن في ظل الإذعان الرسمي الفلسطيني الذي تجسّده السلطة، لا أحد يعير الشعب الفلسطيني وقضيته أي اهتمام، وبالكاد تذكر هذه القضية في صحف العالم ودوائر صنع القرار فيه.
***
نتمنى أن لا ترضخ حركة حماس للضغوط الممارسة عليها، وتستغل أزمتها المتفاقمة بفعل الحصار العربي والإسرائيلي معاً، وتقع في الخطيئة نفسها التي ارتكبتها منظمة التحرير الفلسطينية وتعترف بإسرائيل وتتخلى عن المقاومة "مجاناً" وتلهث خلف سراب التسوية، فهذا النظام الإسرائيلي العنصري لا يستحق الاعتراف بل المقاومة، وحشد العالم بأسره من أجل إسقاطه، تماماً مثلما أسقط النظام العنصري في جنوب أفريقيا، واستبداله بدولة العدالة والحقوق المتساوية، والتعايش، وسيادة القانون، وحكم صناديق الاقتراع على كل الأرض الفلسطينية.
الوزير كيري لم يقل غير الحقيقة، وحديثه عن إسرائيل كدولة فصل عنصري لم يكن زلة لسان، واعتذاره المهين والمذل استجابة تحت الابتراز لن يغير من هذا الواقع شيئاً.